ما هي فوائد رحلة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشام وقصة الراهب بحيرا؟ |
|
السؤال:
ما هي الدروس المستفادة من رحلة الرسول صلى الله عليه وسلم الى الشام ولقائه بالراهب بحيرا ؟
************
جواب الشيخ:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : ( خرج أبو طالب إلى الشام ، وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش ، فلما أشرفوا على الراهب هبطوا ، فحلوا رحالهم ، فخرج إليهم الراهب ، وكانوا قبل ذلك يسيرون ، فلايخرج إليهم ، ولايلتفت . قال : فهم يحلون رحالهم ، فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء ، فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هذا سيد العالمين ، هذا رسول رب العالمين ، يبعثه الله رحمة للعالمين ، فقال له أشياخ من قريش : ما علمك ؟ فقال : إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا ، ولا يسجدان إلا لنبي ، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة . ثم رجع فصنع لهم طعاما ، فلما أتاهم به ، وكان هو في رعية الإبل ، قال : أرسلوا إليه ، فأقبل وعليه غمامة تظله ، فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة ، فلما جلس مال فيء الشجرة عليه ، فقال : انظروا إلى فيء الشجرة مال إليه . قال : فبينما هو قائم عليهم ، وهو يناشدهم ألا يذهبوا به إلى الروم فإن الروم إذا عرفوه بالصفة فيقتلونه ، فالتفت فإذا سبعة قد أقبلوا من الروم ، فاستقبلهم ، فقال : ماجاء بكم ؟قالوا : جاءنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر ، فلم يبق طريق إلا بعث إليه بأناس ، وإنا قد أخبرنا خبره ، بعثنا إلى طريقك هذا ، فقال : هل خلفكم إليه أحد هو خير منكم ؟ قالوا : إنما اخترنا خيره لك لطريقك هذا ، قال : أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده ؟ قالوا : لا ، قال : فبايعوه وأقاموا معه . قال : انشدكم الله أيكم وليه؟ قالوا : أبو طالب فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب ، وزوده الراهب من الكعب والزيت ) وأولا : نحن أمة الإسناد والتثبت في الأخبار ، فلابد أولا من إرجاع هذه القصة إلى مصادرها ، وذكر كلام العلماء في ثوبتها ، وقد خرج هذا الخبر الترمذي وابن أبي شيبة ، وأبو نعيم في الدلائل ، والطبري في تاريخه ، والبيهقي في الدلائل ، والحاكم في المستدرك ، والذهبي في السيرة النبوية . وقد تكلم في إسنادها بعض الأئمة بسبب أنه قد ورد فيه ذكر أن أبا طالب بعث أبا بكر وبلال مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا مشكل جدا ، فهو لايستقيم. قال ابن القيم رحمه الله : ( وكفله جده عبدالمطلب وتوفي ولرسول الله نحو ثمان سنين وقيل ست وقيل عشر ثم كفله عمه أبو طالب واستمرت كفالته له فلما بلغ ثنتي عشرة سنة خرج به عمه إلى الشام وقيل كانت سنه تسع سنين وفي هذه الخرجة رآه بحيرى الراهب وأمر عمه ألا يقدم به إلى الشام خوفا عليه من اليهود فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى مكة ووقع في كتاب الترمذي وغيره أنه بعث معه بلالا وهو من الغلط الواضح فإن بلالا إذ ذاك لعله لم يكن موجودا وإن كان فلم يكن مع عمه ولا مع أبي بكر وذكر البزار في مسنده هذا الحديث ولم يقل وأرسل معه عمه بلالا ولكن قال رجلا ) . ولهذا قد قال ابن حجر في الإصابة : رجاله ثقات ، وذكر أبي بكر وبلال فيه غير محفوظ . وثانيا : على فرض صحة الخبر فلنتكلم على الفوائد المستنبطة منه : 1ـ فيه حماية الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ، ودفاعه عنه ، وكذلك يحمي هذا الدين ، ويدافع عنه ، ويرد عنه بأس الذين كفروا إلى يوم القيامة . 2ـ فيها تصديق لقوله تعالى ( ألم يجدك يتيما فآوى ) فقد كان في رعاية عمه أبي طالب ، يحفظه ويدافع عنه ، فلهذا منعه من دخول الشام ، ورده إلى مكه خوفا عليه . 3ـ فيه دلائل النبوة الباهرة ، فقد حيّاه الشجر والحجر، ومال فيء الشجرة إليه ، وصدق نبوّته هذا الراهب بما علم من البشارة المذكورة عنده في الكتاب الأول ، وصفة الانبياء فيه. 4ـ فيه أن الانسان إذا لم يكن في قلبه مانع من كبر أو عناد أو إيثار الحياة الدنيا من جلب نفع أو دفع ملامة أو أذى ، فإنه لا يمكنه إلا الاعتراف بصدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصحة الإسلام ، وواقعنا أيضا شاهد على ذلك ، فلهذا نجد الملايين يدخلون هذا الدين العظيم ، إذا خلت قلوبهم من المعارضات ، وذلك أنه دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها . 5ـ وفيه أن من ترك الانقياد لهذا الدين ، فإنه لا يكون مسلما حتى لو علم صحته ، فلا بد من الانقياد بإعلان الإسلام والتزام أحكامه ، وأنه قد يعلم الإنسان صحة الإسلام ويقر بذلك ، ولكنه لا ينقاد له بالعمل لمانع من الموانع، فهو كافر حينئذ ، ولا ينفعه علمه وتصديق قلبه ، وهذا مثل أبي طالب فإنه كان يعلم صحة الإسلام وصدق النبي صلى الله عليه وسلم ، لكنه آثر أن يدفع عن نفسه ملامة قومه إذا ترك دين آباءهم وأجدادهم ، فمات كافرا ، وكذلك نقول كل من وقع في ناقض من نواقض الإسلام فإنه يكون مرتدا ولا يشفع له كونه لم يستحله وإنما فعله إيثارا لمتاع الحياة الدنيا، فهذا لا أثر له شرعا في رفع حكم الردة عنه . 6ـ وفيه أن عداوة النصرانية الصليبية لهذا الدين بدأت قبل البعثة المحمدية ، ولهذا بعثت الروم الجنود إلى الطرق لما أعلمتهم شياطينهم وكهنتهم بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشام ، ليقتلوه ، وكان معهم اليهود في هذه المؤامرة كما ذكر ابن القيم ، وكذلك هم إلى يومنا هذا يتآمرون على هذا الدين ، ولا يزالون يحاربون هذا الدين إلى آخر الدهر ، غير أن الله تعالى سينصر هذا الدين عليهم ويخزيهم خزيا عظيما ، قال تعالى ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) .
الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006