الجواب على من استدل بحديث ( إنما الإمام جنة )؟! |
|
السؤال:
فضيلة الشيخ : <هناك من استدل بالحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به" على أنه لاجهاد أيا كان اليوم إلا إذا بقرار السلطة أيا كانت ، فما الجواب ؟!
***************************
جواب الشيخ:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبنينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
أولا ينبغي أن يعلم أن ما ينتشر هذه الأيام من إضافة شروط للجهاد ، ما أنزل الله بها من سلطان ، ولا دل عليها سنة ولا قرآن ، سببه هذا الإنهزام الذي يملأ أرجاء صدور المنهزمين في حالة الغثائية التي تعيشها الأمة المستوليّه عليها أمم الكفر ، وأولياؤهم .
وإن تعجبْ فعجبٌ أن هؤلاء المنهزمين عكسوا الأمر الذي دلت عليه شريعة العزة ، لتحصيل أسباب العزة ، بينما أقامه أعداء الإسلام !
فالشريعة الإسلامية وضعت شروطا لمن يتولى أمر المسلمين , وقيدت سلطانه ، وجعلته نائبا عن الأمة يقوم بأمرين أساسين :
أحدهما : إقامة الشرع في ديار الإسلام ، إذ هو لم يُنصب إماما إلا لهذا الغرض العظيم ، كما قال تعالى " الذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر " ، فذكر قيامهم بالدين في أنفسهم بالصلاة التي هي رأس العبادات البدنيّة ،والزكاة التي هي رأس العبادات الماليّة ، وإقامتهم للدين في بلادهم وأرضهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والثاني : حماية أرض المسلمين من دخول جيوش الكفار إليها ، بإقامة الثغور وهي كلمة عامة تشمل امتلاك سلاح الردع الذي يخيف الكفار من الطمع في بلاد الإسلام ، كما دل على ذلك قوله تعالى ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) ، وإقامة جهاد الطلب الذي يسمّيه الكفّار اليوم الحرب الوقائيّة ، وتعني منع أي قوة تطلب الاستعلاء في الأرض غيرهم ، لتبقى لهم الهيمنة على جميع الأمم !!
هكذا قيّدت الشريعة منصب " ولي الأمر " ، ولم تجعله بلا شروط كما هو لسان حال المفترين على الإسلام ، هذه الأيــــّــام ، فلمْ تجعله بحيث يكون كلّ من تسلّط على رقاب المسلمين ، فله الحق المطلق أن يفعل ما شاء ، وكلّ اعتراض عليه فتنة هي اشد من فتنة علو الكفار على بلاد الإسلام ، فهذا من أبطل الباطل !!
بينما ـ من جهة أخرى ـ قــد خففت الشريعة المطهّرة شروط الجهاد ، تشوّفاً لمصالحه الكثيرة التي يثمرها ، ولهذا أباحته مع كل بر وفاجر ، وأباحت مايذكر في مسالة التترس ونحوها مما يوسع في الفقهاء الباب مراعاة لتحقيق مصالح الجهاد العظيمة النفع على الأمة ، وأباحت فيه الكذب ، والخيلاء ، ولبس الحرير ، ومنعت إقامة الحدود في الجهاد ، بينما كان منعها في غيره من أعظم الجرائم التي يرتكبها الإمام ، بل هي سبب الهلاك ، بل إقامتها على الضعيف دون الشريف هو سبب الهلاك كما في الحديث " إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد "
كما جعلت الشريعة ، جهاد الدفع بلا شروط أصلا ، حتى إن المرأة لها أن تنفر فيه ، وجعلت جهاد الطلب قائما لا يسقطه عدم قيام الإمام بــه كما سيأتي بيانه .
كل ذلك تحقيقا للقاعدة القرآنية العظيمة : ( وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم للتهلكة ) ومعلوم أن معناها ، أنفقوا أرواحكم وأموالهم في الجهاد ، وإلا فسوف تكون الهلكة عليكم ، كما دل على هذا المعنى الحق ، نصوص كثيرة ، والواقع ، وسنن الله الكونية التي أقام عليها الحياة الدنيا .
أما هؤلاء المنهزمون ، فقد عكسوا الأمر ، فقد أزالوا كل الشروط التي وضعتها الشريعة لمن يتولى أمر المسلمين ، وقيّدوا الجهاد بشروط ما أنزل الله بها من سلطان .
وبعد هذا ، فلا يخفى أن ذلك إنما وقع منهم ، تحت ضغط داء الإنهزاميّة ، وتحت وطأة الشعور بهذا الرقّ العصري ، رقّ الأنظمة المستبدة التي غدت تفرض على العالم والمفكّر ، حتى ما ينطق به لسانه ، وفق ما يطلبه أعداء الإسلام ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم .
بينما تجد الكفار الذين حلّوا ديار الإسلام غازين ، واستباحوهــا مفسدين ، وأعلنوا فيه الكفر المستبين ، تجدهم قد أقاموا هذين الأمرين بما يحقق لهم الظهور والاستعلاء .
فقد وضعوا لمن يتولّى عليهم شروطــا ، تضمن تحققيه لمصالح شعوبهم ، وقوة دولهم ، فإن حاد عنها ، استبدلوا غيره به .
أما حروبهم وأسباب قوتهم العسكريّة ، فقد خففوا من شروطها ، ليضمنوا تحقيقها لإستعلاءهم ، فإن عارضت حروبهم الأمم المتحدة المزعومة ، نبذوها وراء ظهورهم ، ومضوا في الحرب ، وإن اقتضت حربهم إبادة الأبرياء ، لم يلتفتوا إلى إهراق دماءهم ولو أهرقوها أنهارا تجري ، كما فعلوا في العراق ، وإن اقتضت أن يكذبوا كذبوا وزوّرا الحقائق ، وإن اقتضت أن يمتلكوا السلاح النووي المدمّر ، أو يملئوا الأرض من الإشعاعات المضرة ، فلا يبالون بما تأتي به من دمار للبشرية .
ذلك أنهم يعلمون أن التفوق على الأمم ، والعزة في الأرض ، لاتأتي إلا بإقامة السلطان الذي تتوفر فيه شروط إقامة التفوق والعزّة ، وبالقوة الضاربة التي تضمن ذلك .
فنسأل الله تعالى أن يرزقنا البصيرة في الدين ، وأن يعيد لهذه الأمّة العظيمة ، الوعي الصحيح بشريعتها التي تحملّها مسؤوليّة عالمية ، والعزيمة على القيام بواجبها العالمي .
وجوابا على سؤال السائل ، نذكر أولا أن أهل الإسلام اليوم في حال جهاد الدفع ، وينبغي أن يعلم أن معنى جهاد الدفع هو طلب إخراج العدو من بلاد الإسلام ، وكفّ يده العاديّة على أرض الأمة ، ودينها ، ومقدراتها ، وإن كان ضربه في بلاده .
وحينئذ فلا معنى لذكر شرط الإمام ، وإنما ذكره في هذه الحال التي يعيشها أهل الإسلام ، ضرب من الباطل ، وتشغيب جاهل .
ثم نبين أنه حتى جهاد الطلب ، لادليل على اشتراط الأمام له ، ولكن إن وجد الإمام القائم به ، لم يجز الجهاد بغير إذنه إلا في حالات مخصوصة سنبينها .
ونجيب بعــــد ذلك على الشبهة المذكورة في السؤال .
ونجعل الجواب مفهوما من كلام العلماء الذي ننقله ، اكتفاء بما قاله أئمة الدين الذين نقتدي بهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وأما قتال الدفع وهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعا فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لاشيء أوجب بعد الإيمان من دفعه ، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان ، وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم ، فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر وبين طلبه في بلاده " مجموع الفتاوى 4/508
وقال ابن قدامة " إذا جاء العدو صار الجهاد عليهم فرض عين فوجب على الجميع فلم يجز التخلف عنه " 10/390
وقال ابن حزم في المحلى " إلا إن نزل العدو بقوم من المسلمين ففرض على كل من يمكنه إعانتهم أن يقصدهم مغيثا لهم " 7/292
وقال الحضرمي الشافعي في القلائد 2/353 " فإن دخلوا ديارنا ولو خلاء ، أو خرابا ، وجب على كل مكلف ـ أي الجهاد ـ ولو امرأة ، أو عبدا ، بلا إذن "
وقال القرافي في الذخيرة " شروط الجهاد : هي ستة : الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والذكورة والإستطاعة " ، ثم قال : " فإن صدم العدو الإسلام وجب على العبد والمرأة لتعين المدافعة عن النفس والبضع "
وقال ابن قدامة في المغني : " ويشترط لوجوب الجهاد سبعة شروط " فذكر الشروط الستة الماضية ، غير أنه جعل الاستطاعة شرطين .
وقال ابن مفلح في الفروع ( قيل للقاضي يجوز قتال البغاة إذا لم يكن إمام ؟ فقال : نعم ، لأن الإمام إنما أبيح له قتالهم لمنع البغي والظلم ، وهذا موجود بدون إمام ) .؟ 6/154
وإذا كان هذا مع البغاة ، فكيف مع الكفار ؟
بل حتى لو كان ثمة إمام قائم بالشرع ، فخاف المسلمون من عدوهم ، فلهم أن يقاتلوا دون إذنه :
قال الإمام أحمد كما في مسائل عبدالله 286 : " إن كانوا يخافون على أنفسهم وذراريهم فلا باس أن يقاتلوا من قبل أن يأذن الأمير " .
فهذا إذا خافوا من العدو، فكيف إذا دهمهم ؟!
وقال ابن قدامة " فإن عدم الإمام لم يؤخر الجهاد ، لأن مصلحته تفوت بتأخيره ، وإن حصلت غنيمة قسمها ، أهلها على موجب الشرع " 10/374
وقال ابن حزم " يغزى أهل الكتاب مع كل فاسق من الأمراء ، وغير فاسق ، ومع المتغلب ، والمحارب ، كما يغزى مع الإمام ، ويغزوهم المرء وحده عن قدر أيضا " المحلى 10/99
وقال أيضا " قال تعالى ( فقاتل في سبيل الله لاتكلف إلا نفسك ) وهذا خطاب متوجه إلى كل مسلم ، فكل أحد مأمور بالجهاد ، وإن لم يكن معه أحد " المحلى 7/351
وقال العلامة عبدالرحمن بن حسن رحمه الله في الدرر السنية " بأي كتاب أم بأي حجة أن الجهاد لايجب إلا مع إمام متبع ؟! هذا من الفرية في الدين ، والعدول عن سبيل المؤمنين ، والأدلة على بطلان هذا القول أشهر من أن تذكر ، من ذلك عموم الأمر بالجهاد ، والترغيب فيه والوعيد على تركه ... وكل من قام بالجهاد في سبيل الله ، فقد أطاع الله وأدى ما فرضه الله ، ولا يكون الإمام إماما إلا بالجهاد ، لا أنه لا يكون جهاد إلا بإمام ، والحق عكس ما ذكرت يا رجل "
وقال أيضا بعد أن استدل بقصة أبي بصير رضي الله عنه في حربه قريشا مستقلا " فهل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أخطأتم في قتال قريش لأنكم لستم مع إمام ؟؟! سبحان الله ! ما أعظم مضرة الجهل على أهله عياذا بالله من معارضة الحق بالجهل والباطل "
وقال " فإذا كانت هناك طائفة مجتمعة لها منعة ، وجب عليها أن تجاهد في سبيل الله بما تقدر عليه لا يسقط عنها فرضه بحال ، ولا عن جميع الطوائف وليس في الكتاب والسنة ما يدل على أن الجهاد يسقط في حال دون حال ، أو يجب على أحد دون أحد إلا ما استثنى في سورة براءة ، وتأمل قوله " ولينصرن الله من ينصره " ، وقوله " ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا .. الآية " ،وكل يفيد العموم بلا تخصيص .. ) الدرر السنية 7/97
وأما الاستدلال بحديث ( إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به ) .
على أن الجهاد لا يكون إلا بإمام فهو خطأ محض .
وإنما يصح الاستدلال به لو قال ( إنما الجنة الإمام ) ، لأنه حينئذ يقصر الجنة على الإمام ، غير أن الحديث قصر الإمام على كونه جنة .
وهو يدل على أن أهم وظائف الإمام أن يكون جنة لأهل الإسلام ، يحمي المسلمين من عدوهم ، لا أن يمكّن عدّوهم من ديارهم ،ويعينه على خططه وأهدافه !!
هذا وقد تقدم جواب سابق فليرجع إليه السائل أيضا ففيه زيادة وتفصيل ونقول كثيرة عن أهل العلم من مختلف المذاهب .
والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006