اعتراض : كيف تجيزون الاستفادة من أدوات التغيير التي تنص عليها الدساتير الوضعية؟

 

السؤال:

السلام عليكم
أحسن الله إليك ،

هل نعرف شخصية ذو القرنين الحقيقية كإسمه ووظيفته ( نبي أو قائد إلخ .. ) مع ذكر المصدر إذا تكرمتم ؟

أليس استخدام مساحة الحرية المتاحة في بنود الدساتير الوضعية لمصلحة الدعوة كالإعتصامات والمظاهرات ووسائل الضغط الجماعي يعتبر تزكية لهذه الدساتير ووسيلة يستغلها العلمانيون في هجومهم على الدعاة الذين يقولون إن الدساتير هي قوانين جاهلية كافرة وبالتالي تكون فتنة للعامة من المسلمين ؟

************************

جواب الشيخ:

وعليكم السلام ورحمة الله

صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أدري ذا القرنين نبيا كان أم لا ؟ روه الحاكم البيهقي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

ولكنه حتما كان أماما قائدا عادلا ، والمصدر البداية والنهاية
ـــــــ
وأما السؤال الثاني فنرد عليهم بأن نقول : إن هذا يلزم أيضا على مساحة الحرية المتاحة لقول كلمة الحق في نقد السلطة دون ملاحقة ، نقدها في الصحافة أو في المجامع العامة كالمحاضرات ، والخطب . فإن الدساتير أيضا تنص على أن هذه من مساحة الحرية المتاحة ، فهل استخدامنا لذلك ، يعني أنه يحرم علينا أن نقول كلمة حق مشروعة ، لان الدستور أصبح يحميها ويوفر لها مساحة لقولها ؟!! وعجبا كيف يقال : إن ما دلت الشريعة على إباحته ، يحرم علينا فعله ، وإن كان وسيلة يحرم علينا الاستفادة منها ، لنصرة الحق وأهله ، أو إبطال باطل وقمع أهله ، لان الدستور جعله مساحة مسموحا بها للحرية لنقول فيها كلمة حق تقرها الشريعة ، أو نمارس فيها وسيلة لننصر الدين . لعمري ، ما أعجب هذا وأغربه .

وأما قول القائل استعمالنا لهذه الوسائل ، يقتضي تزكية الدساتير التي تبيحها ، فهذا غير صحيح ، ذلك أننا نفترض أن الدعاة يصرحون سرا وجهارا بمطالبتهم بتحكيم الشريعة ، وإبطال كل ما يخالفها في القوانين العامة والمتفرعه عنها . لكن يبدو أن المعترض يفترض أن الدعاة إلى الاسلام لايصنعون شيئا سوى الاستفادة من بعض الادوات التي وفرتها الدساتير ، بعض الاحيان ، فيوهمون الناس أن هذه الدساتير كل ما فيها حق ، وليس الواقع كذلك .
ـــــ
هذا ثم إننا لانقول إن كل الدساتير لاتشتمل على حق أبدا ، بل فيها الباطل ، وفيها الحق . غير أنه لايجوز اعتمادها قانونا عاما ، لاشتمالها على الباطل أيضا . والدساتير فيها نصوص توافق الشريعة الاسلامية مثل الامر بالعدل ، ومثل تحريم تجريم الانسان بغير بينة ، ومثل تحريم تعدية العقوبة إلى غير الجاني ، ونحو هذه الامور التي توافق الشريعة ، لانها من العدل المركوز في الفطر حسنه . ونحن نشهد أن هذه كلها من الحق ليس لان الدستور نص عليه واكتسبت الحق منه ، ولكن لانها وافقت الشريعة فشهدت لها الشريعة بانها حق ،
ولهذا فما كان في الدساتير مما يمكن التوصل به إلى أمور توافق الشريعة ، فلا مانع شرعا من الاستفادة منه . والعجب من هؤلاء الذين يحرمون الاستفادة من هذه الوسائل بحجة أنها تزكية لواقع مخالف للشرع ، ثم هم يحملون جنسية الدولة نفسها وجواز سفرها ، ويستفيدون من ذلك في كل حياتهم ، ويعملون في اجهزة الدولة ، عالمين بأن ذلك إنما يحدث تحت ظل قوانينها ، وعقودها التي تكتسب قوتها من نظامها العام ، بل إن منحهم الجنسية وجواز السفر اصلا مستمد من قوة قوانين الدستور نفسه ، ثم إنهم لايقولون إن ذلك كله يقتضي اعترافا بباطل النظام ، ولا أنه تزكية له ، فإن أراد الدعاة أن يستفيدوا من واقع النظام ، وبعض أوضاعه لنصر الدين ، قاموا عليهم فحرموا عليهم هذه المصلحة الشرعية ، فتأمل هذا التناقض منهم
ـــــــ
ومن العجب أيضا أن بعض هؤلاء الذي يحرمون استعمال هذه الوسائل التي ذكرها السائل ، يجيزون لانفسهم وأتباعهم الدخول في الجيش والتغلغل فيه ، تمهيدا للاستحواذ على مراكز القوة لقلب نظام الحكم ، وهم يعلمون أن ذلك لايتم إلا بوسيلة الاقرار القولي والفعلي بشرعية النظام ، مما يكون في الجيش أشد وأوضح من بقية أجهزة النظام ، ومع ذلك يحرم هؤلاء على الدعاة الاستفادة من أي وسيلة يتيحها النظام انطلاقا من دستور وضعي ، يمكن بها إحداث تغيير لصالح الاسلام . ومما يدل على جواز الاستفادة من الوضع القائم ، حتى لو لم يكن قائما كله على الشريعة المطهرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة أن يهاجروا إلى النجاشي ولم يكن مسلما ، لكنه عرف بالعدل ، فأباح النبي صلى الله عليه وسلم الاستفادة من وجود دولته ، في هذه الناحية ، رغم كونها لاتخضع للشريعة اصلا ، كما استفاد النبي صلى الله عليه وسلم من تضامن من كفر من بني هاشم معه ، وقيام أبي طالب بالانتصار له ، والدفاع عنه على كفره ، وتأمل قوله تعالى ( لولا رهطك لرجمناك ) وفي هذا الباب استدلال واسع ولايسع المقام بسطه، وفي الجملة فما كان من الوسائل والادوات لاتحرمه الشريعة ، ويمكن التوصل به لنصر الاسلام ، جاز استعماله ، حتى لو كان في ظل نظام لايحتكم إلى الشريعة ، مادامت المصلحة الشرعية راجحة على المفسدة والله أعلم



الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006