الوطنية ؟؟؟ |
|
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشيخ الفاضل بعد التحية
يرجى التكرم بإفادتنا بالتالي وإن كان هناك أي صعوبة بوضع السؤال في موقعكم أرجو إجابتي على بريدي الالكتروني وإذا وضعت السؤال بموقعك أرجو عدم وضع بريدي الالكتروني (إيميلي )
السؤال هو
ما هو مفهوم الوطنية في الإسلام
وما هو مدى وحدود التعامل به إن وجد في الشريعة
وكيف يمكننا التعامل مع الوطنية والوطنيين في هذا الزمان الذي صارت فيه الوطنية شيء مقدس لدى الكثيرين - حتى من الملتزمين أنفسهم - ومقدم حتى على الشرائع الإسلامية
وقد ناقشت أحد الأصحاب فتحجج بأن الرسول عليه السلام قد خرج مهاجرا من مكة وهو يقول إنك أحب البلاد إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت
ولكني غير مقتنع بهذا الاستشهاد لأن مكة لها مكانتها وهي تختلف عن أي بلد وكذلك أن الرسول حتى بعد فتح مكة استقر في المدينة لأنها كانت عاصمة الدولة الإسلامية ولم يرجع لمكه
كما أود أن أعرف إن كان هذا الاستشهاد صحيح إذا كان كذلك كيف نربطها بالآية التي تقول (( وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا )) النساء 89
والآية الأخرى
(( وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا )) النساء 100
إضافة لآية الانفال 72
مع خالص الشكر
كما أرجو أن تكرمنا وتسهب في الإجابة وخذ وقتك
*********************
جواب الشيخ:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـالحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
وردنا سؤال سابق عن مدى صحة حديث حب الاوطان من الإيمان ، وحكم معناه .
فكان الجواب :
هذا الحديث ( حب الاوطان من الايمان ) موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقله ، ولا يجوز اعتقاده ، وأما حكم حب الوطن .
فحب الوطن ، حب فطري ، والإنسان يتعلق بالأرض التي عاش عليها ، وأَلِف أهلها ، وسهلوها ، وجبالها ، لأنها تحمل ذكرياته .
كما قال الشاعر :
وحبّب أوطان الرجال إليهم **** مآرب قضاها الشبـاب هنالك
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهـم **** عهود الصبــا فحنوا لذلك
وحب الوطن ، هو مثل حب الإنسان ، لولده ، وقومه ، وعشيرته ، وزوجته ، ومثل حبه لما هو جميل ، فهذا الحب مغروس في جبلة الإنسان ، وهو أمر فطري.
لكن إن كان الإنسان ، لا يمكنه إظهار دينه في وطنه ، فلا يتمكن من إظهار الصلاة والصيام مثلا ، ويكره على إظهار شعار الكفر ، فإنه يجب عليه الهجرة من ذلك الوطن ، إلى حيث يمكنه إظهار دينه ، إن استطاع ، وإلا أخفى إيمانه حتى يجعل الله تعالى له سبيلا .
وهذه الهجرة واجبة عليه مع القدرة ، قال تعالى ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فاعبدون ) .
فإن آثـر المسلم عدم إظهار دينه ، بل أظهر بدل ذلك شعائر الكفر ، وعرض نفسه للفتنة عن دينه ، من أجل حبه لوطنه ، ومشقة الهجرة منه ، فآثر ذلك على الهجرة إلى حيث يمكنه إقامة دينه ، فهو مرتد مشرك ، شرك اتخاذ الأنداد ، لأن الأنداد هي كل ما جذب الإنسان عن مقتضى حب الله تعالى وهو ـ أي مقتضى حب الله ـ الانقياد له وطاعته ، سواء كان ما جذب الإنسان ، عن مقتضى حب الله تعالى ، هو الزوجة ، أو العشيرة ، أو الوطن ، أو غير ذلك ، فكل ما آثره العبد على الدين ، وجعله مقدما في الطاعة والانقياد على طاعة الله تعالى ، فذلك من اتخاذ الند لله تعالى ، وقد قال تعالى ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله ، والذين آمنوا أشد حبا لله ) .
فإن قدر على إقامة دينه ، بحيث لا يمنع من الصلاة ، ولا الصوم ، ولا من إقامة شعائر الإسلام ، لم تجب عليه الهجرة ، لكن يستحب له أن يهاجر إلى حيث يكون إيمانه أقوى ، والخلاصة أن الدين مقدم على الوطن ، وحب الله تعالى وطاعته قبل حب الوطن .
ولكن هذا كله إن كان يقصد بالوطن ، الذي هو الأرض التي عاش عليها الإنسان .
وليس المقصود الحدود السياسية التي وضعها المستعمر ، فبلاد الاسلام هي كل بلد احتكمت إلى الشريعة الاسلامية ، والواجب أن يكون للمسلمين نظام سياسي واحد ، هو الخلافة .
ولكن المقصود الارض التي عاش عليها الانسان ، ونشا فيها ، وفيها قومه وعشيرته ، وموطن أجداده .
أما الوطن بمعنى النظام السياسي ، فإن كان نظاما كافرا ، فهذا حبه رده عن الدين ، وكيف يحب المسلم نظاما معاديا لله ورسوله ، كما قال تعالى ( لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه .. الآية ) .
وإن كان نظاما إسلاميا قائما بالشريعة فحبه من الإيمان ، لان الحب هنا إنما يكون لرجال مؤمنين يقومون بأمر الله تعالى ، لان النظام ليس سوى رجال يحكمون ، وحب المؤمنين وأعمالهم الصالحة من الإيمان ، والله أعلم .
الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006