الطواف بالقبور وغيره؟

 

السؤال:

فضيلة الشيخ أحسن الله إليك نرجوا تفصيل الجواب فيما يلي :
1ـ حكم الطواف بالقبور .
2ـ نرجوا ذكر أهم الامورالتي تنافي التوحيد .
3ـ حكم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وطلب الاستفغار منه ، وقد استدل عندنا أحدهم بأن رأي الامام مالك قاله للخليفة المنصور ، واستدل بما أسماه قصة العتبي المشهورة ، ورواية عن علي رضي الله عنه أيضا .
4ـ هل هذه الصورة التي على شبكة الإنترنت لقبر النبي صلى الله عليه وسلم صحيحة ، وكيف هو موجود وراء الستر التي نراها أقصد قبره صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه رضي الله عنهما .

**************

جواب الشيخ:

 

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :  

 

أما الطواف بالقبور فمن أقبح البــدع ، وأشنع النهج المبتدع ، بإتفاق العلماء ،  فإنْ قصد فاعله التقرب إلى من في القبــور من الموتى ، فهو شرك أكبر يخرج من الإسلام‏,‏ لأنّ الطواف عبادة ، لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وليطوفوا بالبيت العتيق‏)‏ وصرف العبادة أو شيء منهــا إلى غير الله شرك‏، وفي الحديث ( الطواف في البيت صلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه ، فمن تكلم فيه ، فلا يتكلم إلا بخيــر ) رواه الترمذي والحاكم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .

 

قال الإمام النووي في "المجموع": " لا يجوز أن يطاف بقبره صلى الله عليه وسلم، ويكره إلصاق الظهر والبطن بجدار القبر.. ويكره مسحه باليد وتقبيله, بل الأدب أن يبعد منه كما يبعد منه لو حضره في حياته - صلى الله عليه وسلم -. هذا هو الصواب الذي قاله العلماء وأطبقوا عليه, ولا يغتر بمخالفة كثيرين من العوام وفعلهم ذلك, فإن الاقتداء والعمل إنما يكون بالأحاديث الصحيحة وأقوال العلماء, ولا يلتفت إلى محدثات العوام وغيرهم وجهالاتهم "أ.هـ

أما ما هو منتشر هذه الأيام مما ينافي إخلاص التوحيـد :

فأعظمها أربع :

1ـ صرف العبادة لغير الله تعالى ، كدعاء غير الله تعالى ، وكالتوكل على غيره تعالى، وكالاستعانة ،والاستغاثة بغيره سبحانه ، وكالطواف بالقبور، فإن قصـد التقرّب لصاحب القبر ، فقد اتخذه معبودا مع الله ، وذلك الشرك الأكبر ، وإن قصد التقرب لله تعالى ،  وظنّ أن الطواف في قبورالصالحين عبادة ، فهو بدعة مغلّظة ، كما بيّنا.

 وكالنذر لقبور الأولياء ، والذبح بإسمهم تقربا إليهم ، والسجود لهم ، والتوبة إليهم ، وكل عبادة صرفت تقربا لغير الله تعالى ، فقد اتخذ صارفها ذلك الغير معبودا مع الله ، وجعله ندا لله تعالى ، وقـد أشرك شركا أكبر .

وهذا الشرك منتشرٌ بين كثيرٍمن عامة الناس وجهالهم ، ثم أصبح له دعاة من شيوخ الضلالة ، يزيّنونه للناس ، مثل الجفري فهو من كبار الدعاة إلى هذه الخرافات ، وإلى اتخاذ الأولياء أندادا مع الله تعالى ، ويستدل على هذا الضلال الشنيع بجهالات غاية في السخف، وقد افتتن به بعض جهال الناس ، والغوغاء ، وذلك في حال ضعف لدعوة التوحيد ، وملاحقة دعاته ، وظهور الصليبين الذي حلُّوا ديار المسلمين ، فقرّب أولياؤُهم دعاة التصوّف والخرافة ، لأنّهم يداهنون السلطات الجائرة ،ويزيّنون لهم باطلهم ، ويسكتون عن محاربتهم للإسلام ، وقد كتبنا ردا مطولا عليه وعلى أمثاله من دعاة الخرافــة سابقا.

وقد قال تعالى (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنّك من الظالمين) أي؛ المشركين، لقوله تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم)، وقال تعالى: (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون).

قال ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين": (ومن أنواعه - أي الشرك - طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم والتوجه إليهم وهذا أصل شرك العالم، فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا؛ فضلا عن من استغاث به) أهـ

 2ـ وموالاة الكفار وإعانتهم على المسلمين ، وهذا الناقض العظيم ، انتشر وكثر في السلطات الجائرة المنافقة في بلاد الإسلام هذه الأيام .

3ـ ونصب القوانين الوضعية حاكمة بين الناس ، فهذه مثل نصب الأوثان معبودة مع الله تعالى ، وهذا أيضا انتشر وكثر في الدول والحكّام .

4ـ السحــر .

 

ثم مما ينقض التوحيد من الشرك ،، أويفضي إليه مما ينافيه من المحرمات الكبائر :

ـ الاستهزاء بالدين ،  قال تعالى : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ )

ـ ومنه لبس التمائم ( تسمى الجامعة أو الحجاب في بعض البلاد) أو الحلقة ، أوالخيط ، أو التعاويذ أيّا كانت ،  من حديد ، أو جلود ،  لجلب الخير أو دفع الشــر ، على الإنسان أو السيارة كلّه من الشرك ، وفي الحديث : ( من تعلق شيئا وكل إليه ) رواه أحمد والترمذي والحاكــم ، وفي الحديث عن عقبة بن عامــر : ( أنه جاء في ركب عشرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  فبايع تسعة وأمسك عن رجل منهم فقالوا : ما شأنه فقال : إن في عضده تميمة فقطع الرجل التميمة فبايعه رسول الله ( ص ) ثم قال : من علق فقد أشرك ) رواه أحمد والحاكم وغيرهما .

ـ ومنه الرقى بالطلاسم ،والكلام غير المفهوم من أسماء الشياطين والاستغاثة بهم ، وفي الحديث (إن الرقى والتمائم والتولة شرك )  رواه أحمد وأبو داود.

ـ ومنه طاعة العلماء والأمراء وغيرهم في تحريم الحلال ،أو تحليل الحرام، فإن طاعتهم نوع من الشرك. قال تعالى : (  اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) قال المفسرون : أطاعوهم في تحليل الحرام ، وتحريم الحلال.

ـ ومنه التبرك بالأشجار ،والأحجار ، ومالا يشرع التبرك به ، كالتمسح بالأشخاص ،والقبور ،وغيرها .

وروى الترمذي وغيره بإسناد صحيح عن أبي واقد الليثي قال‏:‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها‏:‏ ذات أنواط، فمررنا بسدرة، فقلنا‏:‏ يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ : الله أكبر، إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى‏:‏ )اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) .

 ـ ومنه إتيان والكهنة ،والعرافين والمنجمين، ، ولا يجوز سؤالهم، أو تصديقهم وإن تسموا بالشيوخ والأولياء ، ومنه طلب علم الغيب من النجوم .

وفي الحديث ( من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بمايقول فقد كفربما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ) رواه أحمد وغيره من حديث أبي هريرةرضي الله عنه،ولمسلــم ( من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما ).

ـ ومنه التطيّر ،  وهو التشاؤم  بالأيّام ،  أوالشهور ، أو الحيوانات ،أوالطيور، فكل ذلك لا يجوز ، وفي الحديث ( الطيرة شرك ) رواه أحمد وأصحاب السنن.

ـ  ومنه الاستسقاء بالنجوم ، والأنواء.

عن زيد بن خالد الجهني أنه قال :  (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله وبرحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب)متفق عليه

ـ ومنه الرياء والسمعة وأن يريد الإنسان بعمله الدنيا. ، وفي الحديث : ( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر . قالوا : وما الشرك الأصغر ؟ قال : الرياء ؛ يقول الله عز وجل لأصحاب ذلك يوم القيامة إذا جازى الناس : اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا ؛ فانظروا هل تجدون عندهم جزاء ؟!) رواه أحمد وغيره .

ـ ومنه قول "ما شاء الله وشئت" أو قول "لولا الله وفلان" ،وفي الحديث ( لاتقولوا ماشاء الله وشاء فلان ،ولكن قولوا : ماشاءا لله ثم شاء فلان) رواه أحمدوابوداود وغيرهما .

ـ ومنه سب الدهر، والزمان ، وفي الصحيح ( لاتسبوا الدهر فإن الله هوالدهر)، أي هو رب الدهر الذي يقلبّه .

ـ ومنه  التسمية بـالعتبيد لغير الله ، "عبد النبي" أو "عبد الكعبة" أو "عبد الحسين" وكل هذا لا يجوز بل تكون العبودية لله وحده كقولنا "عبد الله" و "عبد الرحمن".

ـ ومنه تصوير ذوات الأرواح وتعظيمها ، وفي الصحيح ( إن أشد الناس يوم القيامة المصورون ) ،وفيه ( إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، فيقال لهم : أحيوا ما خلقتم ) .

ـ  ومنه وضع الصلبان ،ورسمها ،أو تركها على اللباس ،وغيره ،والواجب طمسها .

ـ   ومنه الحلف بغير الله مثل الحلف بـ "النبي" أو "الأمانة" أو غير ذلك، وفي الحديـث (  من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك  ) رواه الترمذي وحسنه.

ـ

أما زيارة قبره صلى الله عليه وسلم فهي مشروعة ، على أن لايشدّ إليه الرحل ، ففي الصحيحين :  ( لاتشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ،والمسجد الأقصى ) متفق عليه .

فإذا شد رحله قاصدا المسجد النبوي ، شرع له زيارة القبر الشريف، فيسلم على خيرة الله من خلقه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم ، كما يسلم على صاحبيه رضي الله عنهما .

وأما طلب الإستغفار منه ، فمحرم  كما سنبينه :

أما قصة الإمام مالك مع أبي جعفر المنصور :

وهي ماروي عن أبو جعفر أنه ناظر الإمام مالك ـ رحمه الله ـ في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له مالك : يا أمير المؤمنين : لا ترفع صوتك في هذا المسجد ، فإن الله عز وجل أدب قوماً فقال : (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) ، ومدح قوماً فقال: (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله) ، وذم قوماً فقال :

 (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات) الآية ، وإن حرمته ميتاً كحرمته حياً ،فاستكان لها أبو جعفر ، وقال : يا أبا عبد الله : استقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك أدم عليهالسلام (إلى الله يوم القيامة) بل استقبله واستشفع به يشفعه الله فيك ؛ قال الله تعالى :

(ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم.. الآية )  .ا.هـ

فقد قال قال الإمام ابن عبد الهادي ـ رحمه الله ـ في "الصارم المنكي في الرد على السبكي"

(ص259ـ260) :

(وهذه الحكاية التي ذكرها القاضي عياض ورواها بإسناده عن مالك ليست بصحيحة عنه ، وقد ذكر المعترض في موضع من كتابه أن إسنادها جيد ، وهو مخطىء في هذا القول خطأ فاحشاً ، بل إسنادها إسناد ليس بجيد ، بل هو إسناد مظلم منقطع ، وهو مشتمل على من يتهم بالكذب وعلى من يجهل حاله . . . ) .

أما قصة العتبي المزعومــة :

وهي كما تُذكر : روي عن العتبي أنه قال : كنت جالساً عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، سمعت الله يقول : (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً) (النساء:64) وقد جئتك مستغفراً من ذنبي ، مستشفعاً بك إلى ربي ثم أنشأ يقول :

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه * * * فطاب من طيبهن القاع والأكم


نفسي الفـداء لقبر أنت ساكـنه * * * فيه العفاف وفيه الجود والكرم


أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته * * * على الصراط إذا ما زَلَّتِ القدم


وصـاحباك فـلا أنساهما أبداً * * * مني السلام عليكم ما جرى القلم


قال : ثم أنصرف ، فغلبتني عيناي ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم ،

فقال : يا عتبي إلحق الأعرابي وبشره بأن الله قد غفر له ) أ.هـ

 

فقد قال الإمام محمد بن عبد الهادي ـ رحمه الله ـ في "الصارم المنكي في الرد على السبكي"

(ص253) :

( ليست هذه الحكاية ـ أي قصة العتبي ـ المذكورة عن الأعرابي مما يقوم به حجة وإسنادهامظلم مختلف ولفظها مختلف أيضاً ، ولو كانت ثابتة لم يكن فيها حجة على مطلوب المعترض ،ولا يصلح الاحتجاج بمثل هذه الحكاية ، ولا اعتماد على مثلها عند أهل العلم وبالله التوفيق ) .


وقال أيضاً في (ص321) : ( وأما حكاية العتبي التي أشار إليها ـ أي السبكي ـ فإنها حكاية ذكرها بعض الفقهاء والمحدثين وليست بصحيحة ولا ثابتة إلى العتبي ، وقد رويت عن غيره بإسناد مظلم كما بينا ذلك فيما تقدم ، وهي في الجملة حكاية لا يثبت بها حكم شرعي لا سيمافي مثل هذا الأمر الذي لو كان مشروعاً مندوباً ، لكان الصحابة والتابعون أعلم به من غيرهم) .

 
أما قصة علي رضي الله عنه مع الأعرابي :

 

وهي ما يزعمونه ( روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قدم علينا أعرابي بعدما دفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام فرمى بنفسه إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وحثى على رأسه من ترابه ، وقال: يا رسول الله قلت فسمعنا قولك ، وعينا عن الله عز وجل فما وعينا عنك ، وكان فيما أنزل الله عز وجل عليك : (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً) ، وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي ؛ فنودي من القبر أنه قد غفر لك )  .

 

فقد قال الإمام ابن عبد الهادي ـ رحمه الله ـ في "الصارم المنكي" (ص321) :

 (هذا خبر منكر موضوع وأثر مختلق مصنوع لا يصلح الاعتماد عليه ، ولا يحسن المصير إليه ،وإسناده ظلمات بعضها فوق بعض . . . )

 

هذا وأوضح ردّ على مازعموه من استحباب قصد قبره صلى الله عليه وسلم لطلب الإستغفار منه ، إطباق الصحابة والسلف على ترك هذه البدعة ، ومع أنهم عاصروا التنزيل ، وأعرف الناس بالتأويل ، لم يأت أحد منهم إلى قبره صلى الله عليه وسلم طالبا منه الإستغفار ، إنما كانوا يأتونه في حياته ، إذا ظلم أحدهم نفسه ، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني أصبت ذنبا فاستغفرلي ،فيستغفر له ربه ، ثم إن كلهم قد ترك هذا بعد موته صلى الله عليه وسلم ، لعلمهم أن الآية مختصة بحياته ، أما بعد موته فقد انقطع عمله صلى الله عليه وسلم ،ولحق بالرفيق الأعلى ، ولايعلم ما يحدث في الدنيا ، ولهذا جاء في حديث الحوض في الصحيــح : ( إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك ) .

 

ثم إنه لو جاز المجيء لقبره صلى الله عليه وسلم لطلب الإستغفار ، كالمجيء له في حياته ، لجاز المجيء للبيعة ، بل هي اولى ، كما قال تعالى ( إذا جاءك المؤمنات يبايعنك ..الآية ) ،.

 

ولو جاز ذلك ، لأدّى إلى جعل قبره صلى الله عليه وسلم عيدا،وقد نهى قائلا : (لاتتخذوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) رواه أحمد وأبو داود وغيرهما  .

 

ولو كان المجيء إليه لطلب الإستغفار منه مشروعا ، لبينه صلى الله عليه وسلم ، وأرشد المذنبين إليـه ، وحفظه أصحابه وعملوا به ، وأرشدوا الناس إليه ، غير أنهم أطبقوا على تركه ، فدل على أنه ليس من الهدى في شيء .

 

فتبين أن ذلك كله من البدع المنكرة ، والواجب النهي عنها  ، والتحذير منها .

 

أمـا صورة قبره الشريف عليه الصلاة والسلام  ، فليست عند أحد ، وما هو منتشر على شبكة الإنترنت كذبٌ ،ذلك أن قبره الشريف صلى الله عليه وسلم ، دونه جدران مغلقة ليس لها باب ، داخل غرفة ، وذلك كلّه خلف الستر والشباك الذي يشاهد من الخارج.

 

وصفة القبور في الداخل ، أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، في جهة القبلة مقدماً،  يليه خلفه قبر أبي بكر الصديق رضي الله عنه ورأسه عند منكب النبي صلى الله عليه وسلم ،  ويليه خلفه قبر عمر الفاروق رضي الله عنه، ورأسه عند منكب الصديق. كانت الحجرة الشريفة من جريد مستورة بمسوح الشعر، ثم بنى عمر بن الخطاب حائطاً قصيراً، ثم زاد فيه عمر بن عبد العزيز. كما في طبقات ابن سعد (2/494) ،  : في عهد الوليد بن عبد الملك أعاد عمر بن عبد العزيز بناء الحجرة بأحجار سوداء بعدما سقط عليهم الحائط، فبدت لهم قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه. كما في صحيح البخاري (3/255 فتح الباري). ثم جُدد جدار الحجرة الشريفة في عهد قايتباي 881هـ.

وحوله القبور الجدار المخمّس وهو جدار مرتفع عن الأرض بنحو 13 ذراعاً أي ستة أمتار ونصف، بناه عمر بن عبد العزيز سنة 91 هـ حول الحجرة الشريفة، وسمّي مُخَمساً لأنه مكون من خمسة جدران وليس له باب، وجعله مخمساً حتى لا يشبه بالكعبة.

هذا ونسأل الله أن يطهر توحيدنا من الشوائب ، ويخلصه من كل ما ينافيه ، ويميتنا على التوحيد الخالص ، آمين ، و صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .


الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006