الرجاء بيان حكم الجاسوس مع أن شديد الخطر على المجاهدين وهل هو متول للكفار وهل يقتل؟

 

السؤال:

الرجاء بيان حكم الجاسوس مع أنه شديد الخطر على المجاهدين ، وهل هو متول للكفار ، وهل يقتل ؟

***************

جواب الشيخ:

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ

أصح قولي العلماء أن الجاسوس حكمه قتلــه مطلقا سواء كان مسلما أو معاهدا أو مستأمنا ، والذين قالوا لا يقتل إن كان مسلما ، بل يعاقب عقوبة بليغة، مستدلين بقصة حاطب ، جانبوا الصواب ، بل قصة حاطب تدل على أنه يقتل .

قال ابن القيم : " وفيها ـ أي قصة حاطب ـ جواز قتل الجاسوس وإن كان مسلما لأن عمر رضي الله عنه سأل رسول الله قتل حاطب بن أبي بلتعة ، لما بعث يخبر أهل مكة بالخبر ولم يقل رسول الله لا يحل قتله إنه مسلم ، بل قال وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم ، فأجاب بأن فيه مانعا من قتله ، وهو شهوده بدرا ، وفي الجواب بهذا كالتنبيه على جواز قتل جاسوس ليس له مثل هذا المانع ، وهذا مذهب مالك وأحد الوجهين في مذهب أحمد " زاد المعاد 3/423

وينبغي أن يُُلاحظ أن الجاسوس اليوم وبسبب تعقد وسائل القتال وتعددها ودقتها ، يختلف أثره عمّا مضى ، فضرره في هذا العصـر مضاعف جدا ، بل هـــو مدمّر ، وقد يكون ضرره أشد من ضــرر جيش من العدو ، فبه يمكن توجيه الصواريخ ، والقنابل الذكية ، إلى أماكن القيادات للقضاء عليها ، وبه يمكن الاستدلال على أماكن السلاح ، فيتم تدميــر قوّة الجهاد في طرفة عين ، وبه يمكن إفشال عمليات نوعيّة للجهاد ، فالمعلومة اليوم قد تكون أشدّ فتكا ممّا مضى من التاريخ كله ، ولهذا فحتى لو كان القول بعقوبة الجاسوس بأقل من القتل محتملا للصواب في الماضي ، غير انه في هذا العصــر بعيد جدا عن الصواب .

ولأن الدول المعاصرة تعلم حقيقة ومدى خطر الجاسوس في هذا العصر ، ودوره الحيوي في الحروب ، فكثير منها يقرر عليه عقوبة الإعدام .

وكثيرا ما نبهّنا سابقا ، إلى أن من العلماء المعاصرين من يقف على الأسماء المجردة التي تنطوي تحتها بعض مسائل الخلاف في المذاهب الفقهيــة ، ولا يهتدي إلى اختلاف حقائقها بين زمن تدوين تلك المذاهب ، وهذا العصر ، فيقع في أخطاء بيّنة.

وبيّنا ما وقعوا فيه من خطأ في فهم علاقات المعاهدات الدولية المعاصرة ، وكونها عهودا مبنيـّة على عقيدة مناقضة لعقيدة التوحيد أصلا ، وكونها مبنية على تحصيل الدول القوية لمطامعها في مشهد الصراع الدولي ، بما يعارض مصلحة الإسلام والمسلمين ، بل بما يحقق إفسادا عظيما للدين ، وإضرارا هائلا بالمسلمين .

وبيّنـا كيف أن بعض المنتسبيــن إلى العلم ، قــد أنزلوها ـ بضرب من الغفلة ـ على المعاهدات في باب الجهاد في الفقه ، ونسوا أن هذه المعاهدات الدولية المعاصرة تجعل القواعد العسكريّة ، بل حتى السفارات التابعة للدول الكافرة المعادية للإسلام الساعية للقضاء عليه وإخضاعه ، تجعلها أوكارا للمؤامرات على هذا الدين ، ومراكز للتجسس ، وتنص تلك المعاهدات المبنيّة على ما يناقض الشريعة على أن هذه الأوكار حجر محجور مقطوع من أرض الإسلام لصالح الكفار ، لا يصح للمسلمين دخوله ، يفعل أعداء الإسلام فيه ما يشاؤون من الكفر والمنكرات والمؤامرات على الإسلام في العالم ، وحتى لو أدخلوا فيها مسلما فقتلوه ، فلا يحق للدولة أن تساءلهم ، ونحو ذلك مما تتضمنه تلك العهود الجاهلية الطاغوتية مما يناقض الفقه الإسلامي مناقضة واضحة.
وعلى أية حال فالمقصود هنا بيان أن كثيرا مما يقع في هذا العصر ، يجب النظر إلى اختلاف الحال فيه اليوم ، عما يذكر في كتب الفقهاء من المذاهب المعتبرة ، وإلاّ فقد يعين الفقيه الذي لا ينظر بهذا المنظار على هدم الإسلام .
وإتماما للفائدة نذكر كلام أهل العلم في بيان ردة من يتجسس لصالح الكفار فيمكنهم بذلك من هزيمة المسلمين وقتل خيارهم ، لأنـّه متولِّ للكفــار في هذا الحال.

وقــد قال شيخ الإسلام في اختياراته:
( من جمز إلى معسكر التتر، ولحق بهم ارتد ، وحل ماله ودمه ) نقلا عن الدرر السنية 8/338 ، ومجموعة الرسائل النجدية 3/35 ، وعلق الشيخ رشيد رضا في الحاشية بقوله : (وكذا كل من لحق بالكفار المحاربين للمسلمين وأعانهم عليهم ، وهو صريح قوله تعالى " ومن يتولهم منكم فإنه منهم").

وقال ابن القيم رحمه الله في أحكام أهل الذمة 1/195:
( أنه سبحانه قد حكم ولا أحسن من حكمه أنه من تولى اليهود والنصارى فهو منهم "ومن يتولهم منكم فإنه منهم" فإذا كان أولياؤهم منهم بنص القرآن كان لهم حكمهم، وهذا عام خص منه من يتولاهم ودخل في دينهم بعد التزام الإسلام فإنه لا يقر ولا تقبل منه الجزية بل إما الإسلام أو السيف فإنه مرتد بالنص والإجماع).

وقال أحمد شاكر رحمه الله في "كلمة الحق":
(أما التعاون مع الإنجليز بأي نوع من أنواع التعاون، قلّ أو كثر، فهو الردّة الجامحة، والكفر الصّراح، لا يقبل فيه اعتذار، ولا ينفع معه تأول، ولا ينجي من حكمه عصبية حمقاء، ولا سياسة خرقاء، ولا مجاملة هي النفاق، سواء أكان ذلك من أفراد أو حكومات أو زعماء. كلهم في الكفر والردة سواء، إلا من جهل وأخطأ، ثم استدرك أمره فتاب وأخذ سبيل المؤمنين، فأولئك عسى الله أن يتوب عليهم، إن أخلصوا من قلوبهم لله لا للسياسة ولا للناس.

وأظنني قد استطعت الإبانة عن حكم قتال الإنجليز وعن حكم التعاون معهم بأي لون من ألوان التعاون أو المعاملة، حتى يستطيع أن يفقهه كل مسلم يقرأ العربية، من أي طبقات الناس كان، وفي أي بقعة من الأرض يكون).

وقال ( ولا يجوز لمسلم في أي بقعة من بقاع الأرض أن يتعاون معهم بأي نوع من أنواع التعاون، وإن التعاون معهم [ أي الفرنسيين] حكمه حكم التعاون مع الإنجليز: الردة والخروج من الإسلام جملة، أيا كان لون المتعاون معهم أو نوعه أو جنسه).

قلت : والتجسس لصالحهم ضد المسلمين من أهم وأخطر أقسام التعاون مع الكفار .

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

(وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم ) مجموع الفتاوى والمقالات 1/274

وقال بن باز أيضا( : أما الكفار الحربيون فلا تجوز مساعدتهم بشيء ، بل مساعدتهم على المسلمين من نواقص الإسلام لقول الله عز وجل "ومن يتولّهــم منكم فإنه منهم"). فتاوى إسلامية 0 جمع محمد بن عبد العزيز المسند ج4 السؤال الخامس من الفتوى رقم 6901 .

قلت وينطبق كلام العلامة أحمد شاكر ، والعلامة عبد العزيز بن باز رحمهما الله ، على من تعاون مع المحتل الأمريكي في حملته في احتلاله الصليبي للعراق ، أو في حملته الصليبية على المجاهدين ، وكذا على المتعاون مــع المحتل الصهيوني في فلسطين ، سواء بالتجسس أو غيره ، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006