المعنى اللغوي والشرعي قبل الافتاء بتحريم قول الفداء للوطن

 

السؤال:

المسلم مأمور بالدفاع عن وطنه أرضا وسماء وبحرا من هجمات الكافرين، استنادا إلى قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم من قتل دون ماله فهو شهيد،وانطلاقا من فقه الجهاد المرتكز على آيات كثيرة أيضا، فهل يدخل في باب الشرك والعياذ بالله قول المسلم أفديك يا وطني وهو أصلا ذو معتقد صحيح ويقاتل في سبيل الله ويعرف أن الفداء هو البذل لتحرير الوطن وتخليصه، وقد قال المصطفى صلوات ربي عليه وسلامه لسعد أفديك بأبي وأمي ومعنى الفداء واضح بين في كتب الفقه وكتب اللغة؟؟

*******************

جواب الشيخ:

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : قد ذكرنا أن الدفاع عن أوطان المسلمين ضد هجمات الكافرين من الجهاد في سبيل الله ، ولكن بينا أن إطلاق كلمة ( أفديك يا وطني ) يجعلها تحمل عدة احتمالات في الواقـع، فبينا حكم كل معنى ، والفداء معروف معناه ، وقد يكون بالمال أو بالنفس ، ولكن عندما يقول أفديك يا وطني ، يقصد به غالبـــا بالنفس ، أي أقدم نفسي فداء لك ياوطني ، أي يبقى الوطن وتذهب النفس . -------------
وفداء الوطن بالنفس مطلوب إن كان منطويا على معنى شرعي ، كما ذكرنا في الفتوى السابقة ، فيدافع عن نظام شرعي يقيم حكم الله تعالى انتصار لكلمة الله تعالى وشريعته ، أو يدافع عن أرض للاسلام علا عليها الكفار ، فتخلص منهم لتعود عليها كلمة الاسلام هي العليا كما ذكرنا في الفتوى السابقة أيضا .
-----------
أما إن كان قوله ( أفديك يا وطني ) دفاعا عن نظام سياسي غير شرعي ، فهذا يقاتل تحت راية جاهلية ، يموت في سبيل قضية خاسرة في الدنيا والاخرة ، وأما إن كان يقاتل فداء لحدود سياسية صنعها المستعمر فرق بها أمة الإسلام ، يقاتــل ضد مسلمين في فتنة القاتل والمقتول فيها فــي النار ، فكذلك هذا هو الخسران المبين ، كما ذكرنا في الفتوى السابقة.
------------
ولكن الناس قد ألفوا شيئا وجدوا عليه أباءهم ، واعتادوا عليه ، لايتلقون و لايسمعون سواه ، فظنوه حقا ، بينما هــو الجاهلية بعينها ، وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة وطنه الاصلي ووطن أباءه وأجداده فاتحا يقاتل قومه على عقيدة التوحيد مع من أطاعه في هذه العقيدة أيا كان وطنـــــه ، وأصبح الذين يقاتلون محمدا صلى الله عليه وسلم والصحابة من أهل مكة دفاعا عن وطنهم كفارا مشركين ، وكذلك كل من قاتل المسلمين الفاتحين لأقامة شريعة الله تعالى في الأرض ، زعما أنه يقاتل عن دفاعا عن وطنه ، إنما يقاتل تحت راية جاهلية ، ويموت ميتة جاهلية ، وكذلك كل أرض فتحها المسلمون هي أرض الاسلام ، وهي وطن المسلمين ، وإذا قاتل المسلمون عنها ضد الكفار ـ لاضد بعضهم بعضا فهذا قتال الفتنة ـ فهو من الجهاد في سبيل الله تعالى ، فالارض كلها لله تعالى ، ووطن المؤمن ما تعلــو عليه كلمة الله تعالى ، فإن لم يقدر أن يظهر دينه في وطنه ، وجبت عليها الهجرة إلى حيث يمكنه أن يظهر دينه ، باجماع العلماء ، فإن آثر أن يبقى في وطنه على أن يهاجر ليظهر دينه فهو داخل في قوله تعالى ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جنهم وساءت مصيرا ) ـ

والخلاصة أن كل شيء في شريعة الله تعالى تبع للعقيدة الإسلامية ، فإن خالفها فلا قيمة له في شريعة الله تعالى ، فإن كان الوطن نظاما شرعيا أو ارضا إسلامية غزاها الكفــار ، فالدفاع عنه إنما هـــــو دفاع عن العقيدة أصـلا، وإلا فهي والله الذي لا إله إلا هو الراية الجاهلية ، سواء كالقتال تحت جاهلية القومية، او جاهلية القبلية ، أو جاهلية عبادة المادة والدنيا كما يقاتل المرتزقة!!
--------------
ولله در الامام ابن القيم إذ قال : ـ

( لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما وعدلوا الى الآراء والقياس والاستحسان وأقوال الشيوخ عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم وظلمة فى قلوبهم وكدر فى افهامهم ومحق فى عقولهم وعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم حتى ربي فيها الصغير وهرم عليها الكبير فلم يروها مكرا فجاءتهم دولة أخرى قامت فيها البدع مقام السنن والنفس مقام العقل والهوى مقام الرشد والظلال مقام الهدى والمنكر مقام المعروف والجهل مقام العلم والرياء مقام الاخلاص والباطل مقام الحق والكذب مقام الصدق والمداهنة مقام النصيحة والظلم مقام العدل فصارت الدولة والغلبة لهذه الأمور وأهلها هم المشار اليهم وكانت قبل ذلك لاضدادها وكان أهلها هم المشار اليهم فاذا رأيت دولة هذه الأمور قد أقبلت وراياتها قد نصبت وجيوشها قد ركبت فبطن الارض والله خير من ظهرها وقلل الجبال خير من السهول ومخالطة الوحش أسلم من مخالطة الناس ، اقشعرت الأرض وأظلمت السماء وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة وذهبت البركات وقلت الخيرات وهزلت الوحوش وتكدرت الحياة من فسق الظلمة وبكي ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة وشكا الكرام الكاتبون والمعقبات الى ربهم من كثرة الفواحش وغلبة المنكرات والقبايح وهذا والله منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه ومؤذن بليل بلاء قد ادلهم ظلامه فاعزلوا عن طريق هذا السبيل بتوبة نصوح ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح وكأنكم بالباب وقد أغلق وبالرهن وقد غلق وبالجناح وقد علق وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) .
والله أعلم

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006