ما هي الاولوية بالنسبة للعراقيين وموقفهم من المحتل ، وهل صحيح من يقول البلاد بحاجة إلى المحتل؟

 

السؤال:

ماهي الاولية الان بالنسبة للعراقيين وموقفهم من المحتل ، وهي صحيح من يقول إن البلاد بحاجة إلى المحتل لحفظ الامن وإعادة البناء والإعمار ، فالواجب التعاون مع المحتل لاجل هذه المصلحة ثم التفاوض معهم بعد ذلك على الجلاء ؟ *** تنبيه نقل اللقاء الذي اجرته مجلة السمو مع الشيخ إلى ارشيف الفتاوى ***

**********************

جواب الشيخ:

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعـد : ـ

لاريب أن الأولويّة هي للجهاد لطرد المحتل ، لا يقدم عليه شيء ، وزعم غير ذلك ضلال مبين ، أما الرضى باستعلاء الكفار على بلاد المسلمين ، فهو ردة عن الدين ، ليس في ذلك خلاف بين علماء الملة ، ولا ينفع عذر المعتذر بأن البلاد بحاجة إلى بقاء الكفار لحفظ الأمن ، فقائل هذا كاذب مفتر على دين الله تعالى ، يضل الخلق بغير علم .

ذلك أنه لا يوجد فساد أعظم من استعلاء الكفار في بلاد المسلمين ، ولامصلحة أعظم بركة على المسلمين من جهاد الكفار لمنعهم من إظهار هيمنتم على البلاد الإسلامية ، فكل يوم يستقر لهم المقام في العراق ـ كمافي غيره ـ يخسر الإسلام وأهله ما لا يخطر على البال ، ولا يدور في الخيال من الخسران المبين ، في دينهم ، وقوتهم وثروتهم ، ومستقبلهم السياسي .

ذلك أن الكفار سيعملون بلا ريب على ترتيب أوضاع البلاد عسكريا ، وسياسيا ، واقتصاديا ، واجتماعيا ، وثقافيا في أسرع وقت وفق ما خططوا له سلفا ، لتكون تلك الأوضاع في صالح الكفر وأهله ، كما فعلوا في الاحتلال في القرن الماضي .

وسينصبون أولياءهم من المرتدين من خونة العرب على حكم العراق ، لتتم لهم مقاصدهم الخبيثة .

وفي التقاعس عن منعهم من ذلك بكل وسيلة ممكنة ، تمكين لهم ، وتغرير بالإسلام وأهله ، وذلك أعظم الخيانة لدين الله تعالى .

ذلك أن الله تعالى حرم على المؤمنين تحريما قطعيا أن يرضوا بظهور الكفار عليهم ، وباحتلال الكفار بلادهم ، وأرض العراق مثل أرض فلسطين تماما ، وكل بلاد الإسلام ، لا يسقط وجوب الجهاد لاخراج المحتل منها ، إلى يوم القيامة .

قال تعالى : ( وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ) والفتنة هي الشرك ، فظهوره وعلوه على ارض الإسلام أعظم الفتنة ، وإنما غاية الجهاد منع الكفر من الاستعلاء بالقوة قال تعالى ( وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير ، وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير ) .

وقال ( ولاتهنوا ولا تحزنوا وأنتم الاعلون إن كنتم مؤمنين ) .

وقد قال تعالى ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) أي هذا حكمه ، فلا ترضوا أن يكون للكافرين عليكم سبيل .

وقال ( كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة ) .

وقال ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ) .

وقال ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم ، والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم ، ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل ، وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم ، فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها .. الآيات ) .

وقال الإمام النووي ( قال أصحابنا : الجهاد اليوم فرض كفاية إلا أن ينزل الكفار ببلد المسلمين فيتعين عليهم الجهاد ، فإن لم يكن في أهل ذلك البلد كفاية وجب على من يليهم تتميم الكفاية ) شرحه على مسلم 8/63

وقال الإمام القرطبي : ( قد تكون حالة يجب فيها نفير الكل ، وذلك إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار ، أو بحلوله بالعقر ، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا خفافا وثقالا ، شبابا وشيوخا ، كل على قدر طاقته ، من كان له أب بغير إذنه ، ومن لا أب له ، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل ، أو مكثر ، فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم ، وجاوزهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة ، حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ، ومدافعتهم ، وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم ، وعلم أنه يدركهم ، ويمكنهم غياثهم لزمه أيضا الخروج إليهم .. ولو قارب العدو دار الإسلام ، ولم يدخلوها لزمهم أيضا الخروج إليه ، حتى يظهر دين الله ، وتحمى البيضة ، وتحفظ الحوزة ، ويخزي العدو ، ولا بخلاف في هذا ) الجامع لاحكام القرآن 8/151ـ 152 .

وقال الإمام الخرقي من الحنابلة ( وواجب على الناس إذا جاء العدو أن ينفروا ، المقل منهم والمكثر ) .

قال الإمام ابن قدامة في الشرح : ( قوله المقل و المكثر ، يعني به والله اعلم الغني و الفقير .. ومعناه أن النفير يعم جميع الناس ممن كان من أهل القتال حين الحاجة إلى نفيرهم لمجيء العدو إليهم ، ولا يجوز لأحد التخلف إلا من يحتاج إلى تخلفه لحفظ المكان والأهل والمال ، ومن يمنعه الأمير من الخروج ، أو من لاقدرة له على الخروج للقتال ، وذلك لقوله تعالى ( انفروا خفافا وثقالا ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا استنفرتم فانفروا ) ، وقد ذم الله تعالى الذين أرادوا الرجوع إلى منازلهم يوم الأحزاب ، فقال تعالى ( ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا ) المغني 10/389 .

وقال الإمام الجصاص ( معلوم في اعتقاد جميع المسلمين أنه إذا خاف أهل الثغور من العدو ، ولم تكن فيهم مقاومة فخافوا على بلادهم وأنفسهم وذراريهم أن الفرض على كافة الأمة أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم عن المسلمين ، وهذا لاخلاف فيه بين الأمة ) أحكام القرآن للجصاص 4/309

وقال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : ( إذا دخل العدو بلاد الإسلام ، فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب ، إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة ) الاختيارات العلمية .

وهذا كله في غاية الوضوح ولايحتاج إلى البيان ، ونقوله مع أن العراق أرض العلم والعلماء ، ولايحتاج أهلها إلى سؤال غيرهم ، ونحن على يقين أن الاجنبي المحتل لن يهنأ بالبقاء فيها ، وستبوء خططه بالفشل والله المستعان .

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006