تزوجت عرفي فحملت وزوجها ينكر الولد ؟

 

السؤال:

فضيلة الشيخ ثمة مشكلة وقعت لأمرأة مسلمة وهي أنه تزوجت عرفي حيث كانت تجهل الحكم الشرعي ، وكان ثمة شاهد رجل واحد أثناء العقد ، وقال لها زوجها سنحضر شاهدا آخر يوقع على العقد لاحقا وكان ثمة أربع نسوة شهدن أيضا ، فظنت أنه عقد شرعي ، وبعد الدخول حملت ، والآن تنكر زوجها ولايريد نسبة الولد إليه ، وادعت عليه ، والشاهد يخاف منه ، وكذلك النسوة ، وقد طولبت بإجهاض الجنين ، فخافت أن تقتل نفسا ، وهي الآن تسأل ما حكمها ، وهل يجوز اتهامها بالزنى ، وهل يجوز أن تقتل جنينها ، وهل يجوز أن يطعن الناس فيهــا ويتكلمون في عرضها افتونا مشكورين .

*********************


جواب الشيخ:

الحمد لله الذي ما جعل علينا في الدين من حرج ، والصلاة والسلام على نبي الرحمة محمد وعلى آله وصحبه وبعد :

فإن المرأة لو حدث بينها وبين رجل معاشرة ظانه أنها ليس مما حرم الله ، فليست زانية ، وإذا تبين أنه كانت تجهل الحكم الشرعي فإنه يدرء عنها الحد بلا ريب ، هذا إذا كانت المعاشرة بغير عقد أصلا ، فكيف إذا كانت المعاشرة في عقد نكاح ظنته صحيحا ، ومعلوم أنه قد اتفق الفقهاء على وجوب العدة وثبوت النسب بالوطء في النكاح المختلف فيه بين المذاهب ، كالنكاح بدون شهود ، فالمالكية يصححون العقد بلا شهود إذا وقعت الشهادة قبل الدخول ، وإن استفاض أغني عن الشهود، أو بدون ولي الذي تجيزه الحنفيـــــة ، وكنكاح المحرم بالحج ، ونكاح الشغار ، ويتفقون كذلك على وجوب العدة وثبوت النسب في النكاح المجمع على فساده بالوطء كنكاح المعتدة ، وزوجة الغير والمحارم إذا كانت هناك شبهة تسقط الحد ، بأن كان لا يعلم بالحرمة ؛ ولأن الأصل عند الفقهاء : أن كل نكاح يدرأ فيه الحد فالولد لاحق بالواطئ . أما إذا لم تكن هناك شبهة تسقط الحد ، بأن كان عالما بالحرمة ، فلا يلحق به الولد .

وإذا كانت المرأة تعلم كونها قد حملت من نكاح ، ما حملها عليه إلا ظنها أنه نكاح صحيح شرعا ، فليس لها أن تجهض جنينها ، حتى لو أنكر الزوج النكاح ، وتمسكها بالجنين موقف شرعي يجب أن تشكر عليه ، واعترافها بأنها حملت بسبب عقد ظنته صحيحا ، وإصرارها على عدم إجهاض جنينها ، فضيلة وليس عيبا تعاب به ، والذي يعيبها به هو الجاهل .

والواجب على المسلمين تقديم إحسان الظن بالمرأة إن وقعت في مثل هذه المشكلة ، وكف الألسن عنها ، لاسيما إن قامت القرينة على صدقها ، ومن ذلك تمسكها بالجنين ، ذلك أن الزانية ترغب في التخلص من الجنين غالبا ، ولا تتمسك به ـ في العادة ـ إلاّ من تعده ولدها شرعا ، فيحملها الخوف من الله أن تقتله .

وليعلم الذين يخوضون في أعراض الناس ، ويلغون في سمعتهم ، أن ذلك من أشد الذنوب جرما ، وقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم من يفعل ذلك أن يفضحه الله في عقر داره .

والواجب على المرأة إن ابتليت بهذه المصيبة ، ووالد جنينها يصر على إنكار وقوع العقد ، ويجحد أبوته للجنين ، أن تلجأ إلى الله تعالى وحده ، مستقيمة إليه ، صادقة التوجه بالدعاء لله وحده دون سواه ، أن يجد لها من كربها فرجــا ، ومن ضيقها مخرجا ، ثم تبرئ ساحتها بذكر الحقيقة ، وإقامة الدعوى ، والمطالبة بالحق الشرعي في النسب .

ومعلوم أن القضاء الشرعي يقوم على الأدلة الشرعية ، ويستعمل القرائن في إثبات النسب الشرعي ، ويحكم بالظاهر ، والله يتولى السرائر ، فإن ثبت بحسب الأدلة الظاهرية وقــوع المعاشرة في نكاح شبهة ، كما بيّنــا ، فيجب الحكم بثبوت نسب الجنيـن للزوج ، وعن الإمام أحمد أنه سئل عن عقد نكاح شهد عليه نسوة قال لايجوز قيل فإن كان معهــن رجل ، قال هذا أهون ، وقد عُـدت هذه رواية عنــه بجواز أن يكون شهود النكاح رجــلا وامرأتين ، وهو مذهب الحنفية كما حكاه ابن قدامة ، ومعلوم أن القضاء الشرعي يرجح جانب ما يثبت النسب دائما ، فينبغي الأخذ بهذا القول لإثبات نسب الجنين ، ولكن إن قـُـدّر أن القضاء لم يجد أي أدلة يعتمد عليها في إثبات العقد ولو عرفيا أو بغير شهود ، فلم يحكم بثبوت النسب ، فالواجب إحسان الظن بالمرأة , على كل حـــــال .

وعليها إن حكم القضاء بخلاف ما تراه حقا ، وقد علمت صدق نفسها ، وأنها لم تتجانف لإثم ، ولم تتجرأ على فاحشة ، عليها أن تصبر وتعلم أن الله تعالى سيبرئ ساحتها ولو بعد حيــــن ، وتحتسب أجرها أنها لم تقتل جنينها ، وأن الله تعالى سيعقبها خيرا ، ويجعل عاقبة أمرها رشدا ، وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ، وقد قال تعالى ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله كل شـــيء قدرا ) و الله أعلم

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006