السؤال: فضيلة الشيخ ، سمعنا الضجة الإعلامية على فتوى سماحة الشيخ اللحيدان ، بقتل المفسدين ، فما هو تعليقكم على هذه الضجة ، وما حقيقة الأمر؟!
جواب الشيخ:
الحمد لله ، والصلاة والسلام ، على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
فإنّه من الواضح من نص الفتوى ـ وقد ركَّـزت على التحذير من الإفساد الإعلامي بنشر الرذيلة ، وإفشـاء الإنحطاط الأخـلاقي ـ أنها كانت في سياق ما هو من سلطة الحاكم في الشريعة الإسلامية ، من أحكام التعزير الرادع للفساد في الأرض .
وما ذُكر فيهـا مشهـورٌ ، مذكورُ في كتب الفقه من المذاهب الأربعـة ، ومعهود في باب القضاء في الشريعة الإسلامية .
غير أنَّ وراء الإثـارة الإعلامية المبالغ فيها ، التيار العلماني المدعوم غربيـّا ، الذي يتخذ من وسائل الإعلام وسيلة لتشويه صورة الإسلام ، وإسقاط أحكام الشريعة ، ونشر التغريب ، والإفساد الأخلاقي ، في سياق مخطط شامل يستهدف الإسلام ، تقف وراءه إدارات غربية ، تعمل في بلادنـا ، بواسطة مؤسسات ثقافية ، وإعلامية ، ومراكز بحثية عديدة في العالم الإسلامي.
والعجيب من أمر هؤلاء المستغربين أنهم يطِّبلون لما تفعله أمريكا من الغزو ، والدمار ، والقتل ، وتخريب البـلاد ، وإهلاك العبـاد ، من باب محاربة ما يسمون : (فساد الإرهاب)! ، وهي تفعل ذلك من غير أحكام قضائيـة ، ولا سلطات دولية ، وإنما بمحض الطغيان بالقوّة ، وهي تقتل حتى بالشبهـة ، وتقصف المدن ، والقرى ، فتهدم المنازل ، فتهلك الأبرياء من الأطفال ، والنساء ، وغيرهم ، في طريقها ، فلا ينكرون عليها هذا الإهلاك للحرث ، والنسـل !
بينما جاءوا يعظمون الشَّنعـة على فتوى عابرة ، بأنَّ من حق السلطة الحاكمـة ، التعزير بالقتل لمن لـم يمكـن ردع فساده إلاَّ بذلك !
ودع الذين إذا أتوْك تنسَّكوا ** وإذا خلـوْا فهم ذئاب خـرافِ
وأما أصـل ما ذُكر في الفـتوى ، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، بعد أن نقل عن طائفة من العلماء من الشافعية ، و الحنابلة ، ومنهم المالكية ، أنَّه يجوز للحاكم قتل المفسد في الأرض إذا لم يمكـن قطع دابر فساده إلاّ بالقتـل ، قال :
( كَّمَا جَوَّزَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ قَتْلَ الْقَدَرِيَّةِ لأجْلِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ ؛ لا لأَجْلِ الرِّدَّةِ ؛ وَكَذَلِكَ قَدْ قِيلَ فِي قَتْلِ السَّاحِرِ ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ .
وَقَدْ رُوِيَ (عَنْ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا : إنَّ حَدَّ السَّاحِرِ ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ . وَعَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَحَفْصَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَتْلُهُ . فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : لأجْلِ الْكُفْرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لأجْلِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ ، لَكِنَّ جُمْهُورَ هَؤُلاءِ يَرَوْنَ قَتْلَهُ حَدًّا .
وَكَذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ يُعَزَّرُ بِالْقَتْلِ فِيمَا تَكَرَّرَ مِنْ الْجَرَائِمِ ، إذَا كَانَ جِنْسُهُ يُوجِبُ الْقَتْلَ كَمَا يُقْتَلُ مَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ اللِّوَاطُ ، أَوْ اغْتِيَالُ النُّفُوسِ لأَخْذِ الْمَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَقَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّ الْمُفْسِدَ مَتَى لَمْ يَنْقَطِعْ شَرُّهُ إلأّ بِقَتْلِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ ، بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ : ( عَنْ عرفجة الأشجعي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ ).
وَفِي رِوَايَةٍ : ( سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ . فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ ، وَهِيَ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ ) .
وَكَذَلِكَ قَدْ يُقَالُ فِي أَمْرِهِ بِقَتْلِ شَارِبِ الْخَمْرِ فِي الرَّابِعَةِ ؛ بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ أَحْمَد فِي الْمُسْنَدِ : ( عَنْ دَيْلَمَ الْحِمْيَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ : إنَّا بِأَرْضِ نُعَالِجُ بِهَا عَمَلاً شَدِيدًا ، وإنَّا نَتَّخِذُ شَرَابًا مِنْ الْقَمْحِ نَتَقَوَّى بِهِ عَلَى أَعْمَالِنَا وَعَلَى بَرْدِ بِلادِنَا . فَقَالَ : هَلْ يُسْكِرُ ؟ قُلْت نَعَمْ . قَالَ : فَاجْتَنِبُوهُ . قُلْت إنَّ النَّاسَ غَيْرُ تَارِكِيهِ . قَالَ : فَإِنْ لَمْ يَتْرُكُوهُ فَاقْتُلُوهُمْ .
وَهَذَا لأنَّ الْمُفْسِدَ كَالصَّائِلِ . فَإِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ الصَّائِلُ إلاّ بِالْقَتْلِ قُتِلَ .
وَجِمَاعُ ذَلِكَ أَنَّ الْعُقُوبَةَ نَوْعَانِ :
أَحَدُهُمَا : عَلَى ذَنْبٍ مَاضٍ ، جَزَاءٌ بِمَا كَسَبَ نَكَالاً مِنْ اللَّهِ ، كَجَلْدِ الشَّارِبِ ، وَالْقَاذِفِ ، وَقَطْعِ الْمُحَارِبِ ، وَالسَّارِقِ .
وَ الثَّانِي : الْعُقُوبَةُ لِتَأْدِيَةِ حَقٍّ وَاجِبٍ ، وَتَرْكِ مُحَرَّمٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، كَمَا يُسْتَتَابُ الْمُرْتَدُّ حَتَّى يُسْلِمَ فَإِنْ تَابَ ؛ وَإلاَ قُتِلَ .
وَكَمَا يُعَاقَبُ تَارِكُ الصَّلَاةِ ، وَالزَّكَاةِ ، وَحُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ حَتَّى يُؤَدُّوهَا . فَالتَّعْزِيرُ فِي هَذَا الضَّرْبِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ ) أ.هـ من مجموع الفتاوى
،
ومن الجلي أنَّ ما ذكره العلماء في هذا الباب ، إنما يقع ضمن إختصاص السلطة ، وليس من باب واجـب الأفـراد .
والله أعلم
الشيخ حامد بن عبدالله العلى