لماذا الصوفية صامتون علن الحملة الصليبية والمشروع الأمريكي ؟ |
|
السؤال:
فضيلة الشيخ لقد انتشرت لدينا بدع التصوف مثل الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم ، ودعاءه ، والتعلق بالاموات ودعاءهم ، والتمسح بالأضرحة ، وإحياء بدع الموالد ، واجتماعات الرقص الصوفي ، ويلاحظ أنه كلما تكالبت أمم الكفر على الإسلام ، وحلت جيوشها أرض المسلمين ، زادت هذه البدع ، وظهرت كما لم تظهر من قبل ، ثم الصوفية لم تقف أي موقف ضد الحملات الكافرة على أمتنا ، بل قد تقف معها أو تأمر الناس بعدم الأعتراض عليها ، كما يفعل المرجئة فما رد فضيلتكم على هذا كله ؟
************************
جواب الشيخ:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعــد :
فإن الصوفية كانت منها طائفة في العصور الأولى قد اعتنت بالزهد في الدنيا ، وإصلاح الباطن ، والإنقطاع للعبادة ، وتصحيح العمل ، مهتدين بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، كما حكى العلماء عن الجنيد ، وابن أدهم ، والتستري ، والعدوية ، وغيرهم من الزهاد الصالحين الصادقين المتمسكين بالكتاب والسنة ، وإن كان فيهم ما يلامون عليه ، فهو الانتساب إلى لقب بدعي ، غير أنه قد كان لهم في الإسلام من الذكر الحسن ، والمقامات الصالحة ، ما استحقوا به ثناء المؤمنين .
وكانت منها طوائف ابتدعت , منهم من قرب في بدعتـه ، ومنهم من بعد ، وأخرى تزندقت ، كالقائلين بوحدة الوجود ، مثل ابن عربي ، وابن الفارض ، وابن سبعين .
ثم غلب علي أهــل التصوف بعد ذلك ، ومنذ قرون ، البدع والإنحرافات، حتى آل أمر عامتهم إلى ما نراه من الاقتصار على السماع البدعي ، وإحياء الموالد ، وقصائد العشق بالرسول صلى الله عليه وسلم ، والغلوّ فيه ، والتمسح بالقبور ، والتعلق بها ، بل ربما يقع أو كثيرا ما يقع منهم عبادتها من دون الله تعالى .
وقد قصرت همتهم هذه الأيام ، على التمسح بهذه البدع ، والخرافة ، يسعون في إحياءها في زمن تكالبت فيه أمم الكفر على أمتنا ، وحلـّت جيوشهم أرض العراق وجزيرة العرب .
والعجب أنم ـ مع أن التصوف نشأ في الزهد في الدنيا ـ جمعوا مع هذه البدع والبطالة ، حب الدنيا ، والتنافس عليها ، والتهالك فيها ، حتى تقربوا إلى الطواغيت والظلمة ، وصاروا لهم اعونا وخدما ، ولهذا تجد بعضهم ، لا يبالي أن يعين الكافر المحتل لبلاد الإسلام ، بل يقاتل معه ، من أجل حطام الدنيا ، ولئلا يبعده الطاغوت الموالي للكفار عما أشركه فيه من ملذاتها ، إن هو أنكر عليه موالاة الكافر .
ولهذا تجد الكفار من اليهود والنصارى ، يقربون هؤلاء المتصوفة الضالة ، ويستعينون بهم ، ويرحبون بجعلهم بديلا عن إسلام العزة والجهاد ، إسلام أهل السنة والجماعة ، الذين لم يــزل سيف الإسلام في أيديهم ينصرون به الملّة الحنيفية ، والسنة المحمدية .
والصوفية في هذا الإنحراف ، تفعل كما تفعل المرجئة العصريّة سواء ، فلا أحب إلى الكفار إذا حلوا ديار الإسلام من هاتين الطائفتين ، الصوفية والمرجئة العصريّة ، ولهذا نراهم اليوم قد رضيت عنهم دوائر الكفر ، ورضي عنهم أعوانهم من الطواغيت الموالية للكفار ، تمام الرضا ، وقربوهم منهم ، وأغدقوا عليهم العطايا ، والأموال ، والمناصب ، ونالوا عندهم الحظوة والجاه ، نسأل الله تعالى أن يثبنا على الحق ، وأن لا يولي أمرنا غيره سبحانه .
ومعلوم أن البدع يظهــر قرنها ، ويشتد أوارها ، وينتشر سوادها ، كلما حلت جيوش الكفر بلاد الإسلام ، وظهرت أحكام الجاهلية ، وكذلك كانت في الاستعمار الماضي ، كما حكى "مصطفى كامل" في كتابه "المسألة الشرقية" ومن الأمور المشهورة عن احتلال فرنسة " للقيروان: أنَّ رجلاً فرنساويًّا دخل في الإسلام، وسمّى نفسه "سيد أحمد الهادي" واجتهد في تحصيل الشريعة حتى وصل إلى درجةٍ عاليةٍ، وعُيِّن إماماً لمسجد كبيرٍ في "القيروان" فلما اقترب الجنود الفرنساوية من المدينة: استعدَّ أهلها للدفاع عنها، وجاءوا يسألونه أنْ يستشير لهم ضريح شيخٍ في المسجد! يعتقدون فيه. فدخل "سيدأحمد" الضريح، ثم خرج مهوِّلاً لهم بما سينالهم من المصائب، وقال لهم بأنَّ الشيخ ينصحكم بالتسليم لأنَّ وقوع البلاد صار بحتاً، فاتبع القوم البسطاء قوله، ولم يدافعوا عن "القيروان" أقل دفاع بل دخلها الفرنساويون آمنين أ. ه.
وحين أغار الفرنجة على "المنصورة" قبل منتصف القرن السابع الهجري، اجتمع زعماء الصوفية، أتدري لماذا؟ لقراءة "رسالة القشيري" والمناقشة في كرامات الأولياء. من أجل ذلك يجب ألا نستغرب إذا رأينا المستعمرين يغدقون على الصوفية الجاه والمال، فربَّ مفوَّض سامٍ لم يكن يرضى أن يستقبل ذوي القيمة الحقيقية من وجوه البلاد، ثم تراه يسعى إلى زيارة "حلقة" من حلقات الذكر، ويقضي هنالك زيارة سياسية تستغرق الساعات، أليس التصوف الذي على هذا الشكل يقتل عناصر المقاومة في الأمم" أ. ه. نقلا عن كتاب عمر فروخ التصوف في الإسلام .
ومن الطرائف المشهورة ، أنه لــمّا جاء الرئيس المصري السادات ، بعدما عقد صلح الذل والهوان مع الصهاينة ، كان في استقباله شيوخ الطرق الصوفية في مطار القاهرة ، والعجب أنه كان عدد ممثلي الطرق الصوفية اثنين وسبعون ، فما كان من الشيخ محمد جميل غازي رحمه الله إلا أن قال مستهزئا بصنيعهم : "صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال "وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة" فاثنتان وسبعون في "المطار" وواحدة في "القاهرة "!
ولهذا لا تجد لزعماء التصوف في هذه الأيام ، موقفا ضد الاحتلال الصهيوصليبي ، والمشروع الأمريكي الذي يحتضنه ، بل هم إما يرونه لا يستحق الاشتغال به ، أو يرونه قدرا ماضيا ليس لنا معارضته ، أو يرونه حقا مشروعا ، كما يقوله من يقوله من زنادقة التصوف أتباع ابن عربي ، أو يعينونه وكثير منهم من يعينه بالقول أو الفعل ، إما طمعا في إرضاء الطواغيت ، ابتغاء الحياة الدنيا ، أو تدينا إما ظنا أنه مباح ، أو بسبب ضلالة زندقة وحدة الوجود التي تسوي بين الأديان عافنا الله من الكفر .
وقد بينا في فتوى سابقة مفصلة حقيقة التصوف ، وما يحمله من بدع وخرافات ما أنزل الله بها من سلطان .
*** أما ما يقع من كثير منهم ـ أو أكثرهم ـ من الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم ، في قصائدهم ، وتوجيه العبادة إليه ، فقد تقدمت فتوى هذا نصها :
الحمد لله الذي أرسل رسله بالتوحيد ، لئلا يعبد سواه ، فلا يدعى غيره ، ولا يتوكل إلا عليه ، ولا يستعان إلا به ، ولا يتوجه بشيء من العبادة إلا إليه ، أشهد أن لا إله إلا هو ، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، بعثه الله ليحقق بدعوته إخلاص التعبد لله ، وحده ، وليحفظ هذا التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ، من كل ما يشوبه ، وبعــد :
فإن الله تعالى قد بين في القرآن العظيم ، أن خلاصة دعوة الرسل جميعا ، والغاية العظمى التي من أجلها بعثهم ، هي دعوة الناس إلى إفراد الله بالعبادة الله تعالى ، قال تعالى : " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبــــدون " ، وقال " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتبنوا الطاغوت " .
والعبادة هي كل ما شرعه الله تعالى للتقرب إليه من الأعمال الظاهرة والباطنة ،ومنها الدعاء والتوكل والاستغاثة ، والاستعانة ، وطلب المدد على وجه التعلق الغيبي القلبي بالرغبة والرهبة ، قال تعالى : " وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا " ، وقال : " وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عــن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين " ، وقال : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان ، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون " ، وقال : " أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض " ، أي وهو حده يفعل ذلك دون غيره .
وقال : " إياك نعبد وإياك نستعين " ، وقال : " وعلى الله فليتوكل المتوكلون " ، وتقديم المعمول يفيد الحصر ، أي لا نستعين بسواك ، ولا نتوكل على غيرك .
وقال آمرا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعلق الناس بالله في دعائهم وسائر تعبداتهم ، لابذات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : " قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ، قل إني لن يجيرني من الله أحد ، ولن أجد من دونه ملتحدا ، وقال : " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي ، لله رب العالمين ، لاشريك له ، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " ، وقال " الذي خلقني فهو يهدين ، والذي هو يطعمني ويسقين ، وإذا مرضت فهو يشفين ، والذي يميتني ثم يحيين ، والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين " ، وقال : " وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه " وقال : " والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ، ولو سمعوا ما استجابوا لكم ، ويوم القيامة يكفرون بشرككم ، ولا ينبئك مثل خبير " .
وقال : " قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا " ، وقوله أحدا نكرة في سياق النفي ، فيتضمن نفي كل أحد غير الله ، لا نبي ، ولا ولي ، ولا غيرهما ، وهي نص صريح ، في أن من دعـــا غير الله تعالى ، فقد أشرك بالله تعالى في عبادته ، كما قال تعالى : " ذلك بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم ، وإن يشرك به تؤمنوا ، فالحكم لله العلي الكبير " .
وبالجملة فالآيات كثيرة جدا ، يصعب حصرها ، وهي دالة دلالة محكمة قطعية ، على أن قطب رحى هذا الدين ، وكل دين بعث الله به نبيا ، وأرسل به رسولا ، هو تحقيق هذا الأصل ، أعني تجريد التوحيد لله تعالى ، بأن لا يعبد غيره ، بأي نوع من أنواع العبادة ، ومن أهمها ، وأجلها ، الدعاء .
وقد صح في الحديث : " الدعاء هو العبادة " روه الترمذي وغيره ، أي ركنها الأعظم ، كما في الحديث " الحج عرفة " ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله " ، وقد دلت الدلائل المحكمة من الكتاب والسنة ، أن من عبد غير الله تعالى ، وصرف إليه شيئا من أنواع العبادات ، فهو مشرك داخل في قوله تعالى : " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشــــاء " .
وعلى هذا الإجماع القديم ، بل هو مما يجب أن يكون عليه الاتفاق ، لانه من المعلوم من الدين بالضرورة .
كما قال الشيخ صنع الله الحنفي : " هذا وإنه قد ظهر الآن فيما بين المسلمين ، جماعات يدعون أن للأولياء تضرعا في حياتهم ، وبعد الممات ، ويستغاث بهم في الشدائد والملمات ، وبهم تكشف المهمات ، فيأتون إلى قبورهم ، وينادونهم في قضاء الحاجات ، مستدلين على أن ذلك منهم كرامات ، وقالوا : منهم أبدال ، ونقباء ، وأوتاد ، ونجباء ، وسبعة وسبعون ، وأربعة وأربعون ، والقطب هو الغوث للناس ، وعليه المدار بلا التباس ... وهذا الكلام فيه تفريط وإفراط ، بل فيه الهلاك الأبدي ، والعذاب السرمدي ، لما فيه من روائح الشرك المحقق ، ومضادة الكتاب العزيز المصدق ، ومخالف لعقائد الأئمة ، وما اجتمعت عليه الأمة " .
وننقل فيما يلي كلاما نافعا لشيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى قال :
وقال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى : ( فهذا هو المشروع للمسلمين مع المسلمين ، فاستنزل الشيطان أهل البدعة والضلال فصاروا يزورون قبر الأنبياء والصالحين ، ولا يقصدون بتلك الزيارة الله والدار الآخرة ولا يخلصون لله الدين .
ولا ينال الميت رحمة وخيرا بدعاء الحي له ولا يرجون من الله ثواب ذلك ، فلا توحيد لله ولا إحسان إلى خلق الله ، بل يقصدون تكليف ذلك الميت حوائجهم يستعملونه ولا ينفعونه.
وهو أيضا لا ينفعهم ، ويشركون بالله ، ولا يوحدونه ، قد تركوا القيام بحق الله من العبادة له ، والتوكل عليه ، ورجاء رحمته ، وتركوا القيام بحقوق الأموات من الأنبياء ، والصالحين ، وغيرهم ،لما في ذلك من زيادة رحمة الله لهم وإحسانه إليهم ورفع درجاتهم.
مع ترك مسألة الحي القيوم العليم القدير ، وترك التوكل عليه كما قال ، وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا .
وإنزال حاجة الإنسان بمخلوق ميت أو حي إما عاجز عنها ، وإما متكلف بها ، فإنه لا يستريب عاقل أن المخلوق في حياته ، ومماته ، لا يستوي عنده من يحسن إليه ويجلب له الخير والعافية ، ومن يكلفه ويؤذيه بالسؤال بطلب الحوائج منه .
مع علم المسؤول أنه ليس أهلا لما طلب منه بخلاف الخالق تعالى ، فإنه سبحانه وتعالى عما يشركون ، يحب من يسأله ، ويفتقر إليه ، كما في الحديث الذي رواه الترمذي عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سلوا الله من فضله فإنه يحب أن يسأل وأفضل العبادة انتظار الفرج "
وفي حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يسأل الله يغضب عليه " رواه الترمذى وابن ماجه
الله يغضب إن تركت سؤاله * وبني آدم حين يسأل يغضب
ورأى الفضيل رجلا يشتكي إلى آخر فقال يا هذا تشتكي من يرحمك إلى من لا يرحمك كما قيل :
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما ** تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
وشكى إليه رجل مرة حاله فقال له : يا أخي أمدبرا غير الله تريد ، ومما يروى عن عمر بن الخطاب ، أو غيره : ارج الله في الناس ولا ترج الناس في الله ، وخف الله في الناس ، ولا تخف الناس في الله.
وكما كتبت عائشة إلى معاوية : أما بعد فإنه من أرضى الناس بسخط الله ، سخط الله عليه ، وجعل حامده من الناس له ذاما ، ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه، وجعل ذامه من الناس له حامدا .
وقال خالد بن معدان من اجترأ على الملاوم في مراد الحق رد الله تلك الملاوم له محامد ومن ترك قول الحق في مراد الخلق خوف ملاوم الخلق ورجاء محامدهم قلب الله تلك المحامد عليه ملاوما وذما .
هذا تحقيق قوله تعالى : " أليس الله بكاف عبده "
وقوله : "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه "
وإنما يؤتى الإنسان من نقص متابعته للرسول ، والله تعالى أمره باتباعه ، لا بالإشراك به ، فقال تعالى : "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" .
وسؤال الخلق هو في الأصل محرم ، لأنه فيه أنواع الظلم الثلاثة : الظلم في حق الله بالشرك ، والظلم للمسؤول فإن فيه إيذاء له ، وظلم الإنسان نفسه لما فيه من تعبيدها لغير الله .
وقد أبيح من ذلك من سؤال الحي ما دل الشرع على إباحته ، وأما سؤال الميت ، والغائب فلم يأذن الله به قط ، ومن عدل عما أمر به الرسول من عبادة الله وحده ، والتوكل عليه والرغبة إليه ، وطاعته فيما أمر به من الإحسان ، والخير الذي ينتفع به هو وهم وغيره من المخلوقين .
فإن العبد كلما عمل بما أمرت به الرسل ، كان لهم مثل أجره ، وحصل له هو من الخير من إجابة دعائه ، ونفعه ، وغير ذلك ، فمن عدل عن هذه الرحمة ، والخير ، وسعادة الدنيا والآخرة إلى أن يفعل ما أمرته به الرسل .
بل اتخذهم أربابا يسألهم ، ويستغيث بهم في مماتهم ومغيبهم ، وغير ذلك كان مثله مثل النصارى فإن المسيح قال لهم " " اعبدوا الله ربي وربكم"
،
وقال : " إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة"
فلو امتثلوا أمره ، كانوا مطيعين لرسل الله ، موحدين لله ، ونالوا بذلك السعادة من الله تعالى في الدنيا والآخرة ، فغلوا فيه ، واتخذوه وأمه إلهين من دون الله ، يستغيثون به ، وبغيره من الأنبياء والصالحين ، ويطلبون منهم ، ويشركون بهم ، وكذبوا بالرسول الذي بشر به ، وحرفوا التوراة ، التي صدق بها ، وظنوا في ذلك أنهم معظمون للمسيح ، وكان هذا من جهلهم ، وضلالهم .
فإنهم كلما أطاعوه ، فيما دعاهم إليه ، كان له مثل أجورهم ، وكانت طاعتهم له ، والإقرار بعبوديته ، وبما بشر به فيه ، وله ، ولهم من الأجر ، ما لا يحصيه إلا الله ، ففوتوا هذا الأجر والثواب عليهم ، وعليه ، وله ، ولهم فيه الخير المستطاب ، واعتاضوا عن ذلك بما ضرهم في الدنيا والآخرة .
وإذا بين لهم قدر المسيح، فقيل لهم : " ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام " ، قالوا : إن هذا تنقص بالمسيح ، وسب له واستخفاف بدرجته ، وسوء أدب معه .
بل قالوا : هذا كفر ، وجحد لحقه ، وسلب لصفات الكمال الثابتة له ، ولعمري إن هذا إنما هو نقص لما في نفوسهم من الغلو فيه ، لا نقص لنفس المسيح الموجود في نفس الأمر.
وفي ذلك من الحمد له ، والمدح ، وإعظامه ، والإيمان به ، وإعطائه الدرجة العلية ، ما ليس في الغلو فيه ، لأن في هذا تقرير كمال عبوديته ، التي هي كمال المخلوق .
وهذا هو الكمال فأما الغلو فيه إلى حد الربوبية ، فذاك خيال باطل ، لا كمال حاصل ، وفي إثبات العبودية له إيمان به ، وموافقة لخبره وأمره ، فيحصل له بذلك من الخير والرحمة ، ما لا يحصل له بالغلو فيه ، الذي هو كذب فيه ، مكذوب عليه ، ومعصية له ، وإشراك بالله ، وليس في ذلك ما ينفعه ، ولا ما يرفعه ، بل في ذلك ضرر على المشركين المفترين.
وكذلك الغالية في علي رضي الله عنه ، ونحوه إذا بين لهم قدره ، وما ثبت عنه من أنه كان يقول خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ، ثم عمر .
وقوله لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفترى ، قالوا : هذا شتم لعلى وتنقص له ، وهذا عين الكذب بل هذا فيه ، من إثبات درجته ، وفضله ، ومعرفته بالحق ، وأهله ، وأمره للناس بالمعروف ، ونهيه لهم عن المنكر ن ما ليس في الكذب والغلو الذي ليس فيه منفعة له .
بل فيه ضرر على أهل الإفك والعدوان وهكذا الغالية في الشيوخ بهذه المنزلة ، ولا سيما القادرية والأحمدية ، وكذلك كل غال كالذين يستغيثون بالموتى ، أو الغائبين والذين يطلبون حوائجهم من المقبورين ، ويجعلونهم وسائط ، ووسائل وشفعاء ، في قضاء تلك الحوائج بلا علم يدل على ذلك ويشرعون دينا ، لم يأذن به الله .
وإذا ذكر لهم المشروع في حقهم من الدعاء لهم ، عند زيارة قبورهم وغيرها والصلاة والسلام من أنواع الدعاء ، وأن ذلك تضاعف لهم به الرحمة والبركة ، وتضاعف أيضا للداعي الرحمة والبركة .
وأن سؤالهم شرك ، وغلو ، زعموا أن هذا تنقض بهم ، وسب لهم ، وإنما هو نقص لما في نفوس من غلا فيهم ، وأنزلهم عن منازلهم ، وفيه من الحمد لهم ، والرحمة ، والبركة ما لا يحصل لهم بما يفعلونه من الكذب ، والإشراك ، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .
وأما كون موسى وعيسى وجيهين عند الله كما قال تعالى : " وكان عند الله وجيها" ، وقال : عن عيسى : " إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين " .
فذلك لا يوجب الغلو فيهما ، ولا في غيرهما ، من الرسل ، والأنبياء ، والصالحين ، ولا يبيح أن تبتدع لهم عبادة ، ودعاء لم يأذن الله فيه ، ولا أن ينقص من حقوقهم ، ومنازلهم التي أنزلهم بها .
والله تعالى لم يأذن لنا أن نسأل ميتا حاجة ، لا نبيا ، ولا غيره ، ولا يطلب منه جلب منفعة، ولا دفع مضرة ، ولا أن نقصد بزيارة قبره إجابة دعائنا ، بل شرع لنا الإيمان بهم ، وبما جاؤوا به والسلام عليهم .
فالذي شرع لنا قي حق الرسل فيه تحقيق توحيد الله وحده ، وتحقيق طاعتهم ، وفيه مزيد الرحمة لهم ، ورفعة الدرجة ، والرضوان ، لنا ، ولهم والأنبياء لا ينقص عند الله جاههم بموتهم ، بل هم في مزيد من كرامة الله ، وإحسانه إليهم ورفع الدرجات لهم عند الله ) أ.هـ
*** هذا وقد اختلط على هؤلاء المنسبين إلى التصوف ، حق الله تعالى مع حق نبيه صلى الله عليه وسلم ، فوجهوا العبادة التي لاتجوز إلا لله تعالى ، وصرفها لغير شرك به ، وجهوها لمحمد صلى الله عليه وسلم ، ظانين أنهم بذلك يحبونه ، ويوقرونه ، ويعظمونه ، وإنما هم يحاربونه أشد الحرب ، ويفعلون ضد ما أمروا أن يفعلوه باتباعه وتوقيره وتعظيمه ، ولكن غلب عليهم الجهل ، واستحكم الهوى .
كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في نونيته مبينا الفرق بين حق الله ، وحقه نبيه صلى الله عليه وسلم :
الرب رب والرسول فعبده * حقـــا وليس لنــــــــا إلــه ثــان
فلذاك لم نعبده مثل عبادة الرحمن فعـــل المشرك النصــراني
كلا ولم نغـل الغلو كما نهى * عنــــه الرسول مخافة الكفران
لله حق لا يكون لغيــــــره * ولعبــــده حق هما حقـــــــــــــان
لا تجعلوا الحقين حقا واحدا * من غير تمييـــز ولا فرقــــــان
فالحج للرحمن دون رسوله * وكذا الصلاة وذبح ذي القربـان
وكذا السجود ونذرنا ويميننا * وكذا مثاب العبد من عصيـــان
وكذا التوكل والإنابة والتقى * وكذا الرجــاء وخشية الرحمن
وكذا العبادة واستعانتنا بـه * إياك نعبـــد ذاك توحيــــــــــدان
وعليهما قام الوجود بأسره * دنيــا وأخــرى حبــــذا الركنان
وكذلك التسبيح والتكبيــر * والتهليـــل حق إلهنــــــــا الديان
لكنما التعزير والتوقيــر حـــــــق للرســـول بمقتضـى القرآن
والحب والإيمان والتصديق لا * يختص بـل حقـان مشتركان
هذي تفاصيل الحقوق ثلاثة * لا تجهلوهـــا يا أولي العدوان
حق الإله عبادة بالأمـر لا * بهــوى النفـوس فذاك للشيطـان
من غير إشراك به شيئا هما * سببــا النجـــاة فحبذا السببان
ورسوله فهو المطاع وقوله المقبول إذ هو صاحــب البرهان
والأمر منه الحتــــم لا تخيير فيه عنــــد ذي عقل وذي إيمان
من قال قولا غيره قمنا على * أقوالـــــه بالسيـــــر والميزان
إن وافقت قول الرسول وحكمه فعلى الرؤوس تشال كالتيجان
أو خالفت هذا رددناها علــى * من قالهـــا من كان من إنسان
أو أشكلت عنا توقفنا ولـــم * نجزم بــلا علــــــــم ولا برهان
هذا الذي أدى إليه علمنــــا * وبـــه ندين الله كــــــــــل أوان
فهو المطاع وأمره العالي على أمر الورى وأمر ذي السلطان
وهم المقدم في محبتنا علــــى الأهليـــــن والأزواج والولدان
وعلى العباد جميعهم حتـى على النفس التي قد ضمها الجنبان
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006